عشرُ جلساتٍ من الحوار بين "تيار المستقبل" و"حزب الله" مرّت بسلام. حواجز كثيرة تمّ تخطيها، واهتزازاتٌ أكثر تمّ تجاوزها، لتبقى النتيجة أنّ الحوار "صمد" رغمًا عن كلّ "الرياح" و"العواصف" التي ضربت المنطقة، كلّ المنطقة.

الحوار "صامد" إذاً. قد يكون هذا هو "الإنجاز اليتيم" الذي حقّقه حوارٌ بات كثيرون يشكّكون بجدواه على أرض الواقع، خصوصًا بعد أن أصبح عنوان "تنفيس الاحتقان" نفسه مثيرًا للجدل، كيف لا والحوار محصورٌ داخل "قاعاتٍ مغلقة"، ليبقى "الفضاء الخارجي" مفتوحًا أمام كلّ أنواع "التصعيد"، على قاعدة "حرية الرأي" التي لم ولن يصادرها أيّ حوار!

مقوّماتٌ غائبة..

كُتِب الكثير عن الحوار بين "تيار المستقبل" و"حزب الله". كلّ القراءات والتحليلات أفضت إلى نتيجة واقعية مفادها أنّه ضرورة، بل إنّ فيه "مصلحة استراتيجية" للجميع من دون استثناء. ولأنّ الحوار في المبدأ هو نعمة وليس نقمة، وهو اعترافٌ بالتنوع واستغلالٌ إيجابي له، فإنّ الأكيد أنّ "صموده" من أوجب الواجبات، بل إنّ التفريط به يكاد يكون "مغامرة انتحارية" من شأنها جرّ البلاد إلى المجهول، في ضوء صراعات المحيط القريب والبعيد على حدّ سواء.

ولكن لأيّ حوار مقوّماتٌ يفترض توافرها، تقول مصادر سياسية مطلعة، مقوّمات تبدو أبعد ما تكون عن "ظروف" الحوار القائم حاليًا، والذي أصبح "تمثيلية" بكلّ ما للكلمة من معنى. ولعلّ نظرة بسيطة لمجريات الجلسة العاشرة من الحوار، وما سبقها وما تلاها، كافية للخروج بهذا الاستنتاج وفق المصادر. فما سبق هذه الجلسة كان خطيرًا لدرجة توقع كثيرون "انهيار الحوار" عن بكرة أبيه، على وقع عملية "​عاصفة الحزم​" التي اختلفت قراءتها بين جانبي الحوار 180 درجة، اختلافٌ لم يُترجَم بطبيعة الحال "صمتاً" أو "نأيًا بالنفس" حرصًا على الحوار، بل انعكس عبر "خطاباتٍ تصعيدية نارية" ترتقي لمستوى "الحروب الإعلامية" التي لم تعد مقتصرة على "مشاغبين" هنا أو هناك، كما تقول المصادر.

وإذا كانت كلّ هذه "الحروب" حصلت على الهواء مباشرة، وأمام أعين "المشاهدين" من مناصري الفريقين على حدّ سواء، فإنّ المفارقة، وفقا للمصادر، أنّ "الحوار" الذي يحصل "خلف الكواليس"، ومن دون أيّ "توثيق" ولو عبر صورة يتيمة، لم يخرج إلا ببيانٍ مقتضب "نأى بنفسه" عن كلّ السجالات، موحيًا بأنّ الحديث اقتصر على ملفاتٍ أمنية مرتبطة باللاجئين والنازحين، وفي ذلك "هروبٌ للأمام" لا يعبّر بتاتًا لا عن "جرأة" ولا عن "شجاعة" في مقاربة "الاختلاف" بوصفه "لا يفسد في الودّ قضية"، وفق المزايدات الدارجة.

بين الداخل والخارج..

تفرض المصادر جدلاً أنّ الحوار حقّق شيئًا، وأنّ "غسيل قلوب" رطّب أجواءه، على الأقل. لكنّه افتراضٌ لا يمتّ للواقع بصلة على ما يبدو، أقلّه بالنظر إلى ما تلاه، إذ تبيّن أنّ "غسيل القلوب" لم يصمد لساعةٍ واحدة، وليس حتى لبضع ساعاتٍ كان يمكن الترويج خلالها أنّ الحوار يتقدّم، وسواها من الأخبار التي قد تكون مغلوطة، إلا أنها تُسرَّب عن قصد لعلّها "تنفّس" عمليًا بعض "الاحتقان" الذي بات "راسخًا" في النفوس.

هكذا، لم يكد الحوار ينتهي حتى توجّه أحد أركانه الأساسيين، وزير الداخلية ​نهاد المشنوق​، الى فندق "فينيسيا" لإلقاء كلمة في احتفال بيروتي تكريمي له، كلمة لم تخرج عن "أدبيّات" التيّار "الأزرق" السائدة في هذه الفترة، حيث حمل بشدّة على إيران التي اتهمها بشكل غير مباشر بأنّها "احترفت ثقافة العدوان والإلغاء وتزوير الارادات والتطاول على الشرعيات". وعلى الرغم من حرص مصادر مقرّبة منه على القول أنّه حيّد "حزب الله" من هجومه، فإنّ المصادر المطلعة لا تقرأ في حديث المشنوق عن المسؤولية في بعض الكلام عن أرزاق وعيش مئات الاف اللبنانيين في دول مجلس التعاون الخليجي، سوى "لطشة مباشرة" للحزب وأمينه العام السيد حسن نصرالله شخصيًا، خصوصًا أنّ الرجل يستعدّ لإلقاء كلمة في احتفال مركزي يقيمه الحزب يوم الجمعة المقبل تحت عنوان التضامن مع اليمن.

من يُنهي الحوار أولاً؟

من هنا، ترى المصادر أنّ ما يتحقق داخل "القاعات المغلقة" يُنسَف بشكلٍ فاقع خارجها، وعلى مرأى الجميع، فـ"الاحتقان" لا يمكن أن يُنفَّس باجتماعاتٍ غامضة في الخفاء وبياناتٍ مقتضبة لا تسمن ولا تغني من جوع، طالما أنّ الاتهامات والاتهامات المضادة لا تزال سيدة الموقف، وطالما أنّ الفريقين لا يزالان ينظران لبعضهما البعض بعين "الريبة" و"الشكّ"، وكأنّهما متفقان ضمنيًا في قرارة نفسها على أنّ الحوار بات "تمثيلية"، وينتظران من يتجرّأ ويتحمّل مسؤولية "إخماده في مهده".

وتبقى كلمة السيد نصرالله المرتقبة يوم الجمعة المقبل "مفصلية" برأي المصادر، فأيدي "المستقبليين" باتت على قلوبهم، خشية أن تتخطى هذه الكلمة "الحدود المرسومة"، فلا يعود مُتاحًا أمامهم "تبرير" استمرار الحوار، ولو بحدّه الأدنى، لحلفائهم الخارجيين خصوصًا، علمًا أنّ المصادر المطلعة تعرب عن اعتقادها بأنّ الكلمة لن تخرج عن السياق العام لخطابات السيد نصرالله الأخيرة، وبالتالي فإنّ الهجوم على السعودية فيها سيكون من "البديهيات" طالما أنّ ما يعتبره الحزب "عدواناً" تشنّه المملكة على الشعب اليمني متواصلٌ.

إعادة نظر مطلوبة..

إعادة النظر بالحوار وحيثياته وملابساته باتت مطلوبة اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى. لم يعد الأمر مجرّد تفصيل متعلّق بنائبٍ مشاغبٍ هنا أو متمرّدٍ هناك. بات الأمر أكبر من ذلك بكثير، وبات يوحي بما لا يقبل الشكّ أنّ الحوار مجرّد "تمثيلية"، بدليل أنّ شيئاً من "الإنجازات" التي حُكي الكثير عنها لم يتحقق، وإن كانت قد تحققت، فقد استطاعت السجالات النارية الأخيرة ضربها مجدّدًا بالضربة القاضية، وكأنّها لم تكن.

المطلوب اليوم إعادة نظر، حتى لا يصبح مجرّد "الجلوس على طاولة واحدة" أمرًا استفزازيًا أكثر منه تهدويًا، وحتى لا يصبح "الحوار" بحدّ ذاته "مضيعة وقت" يضرّ أكثر ممّا ينفع!