منذ لحظة الإعلان عن بدء تطبيق الخطة الأمنية في ​مدينة طرابلس​، شكّك كثيرون بجديتها، خصوصاً أنها لم تشمل الرؤوس الكبيرة في الأحداث التي امتدت سنوات، وراح ضحيتها العشرات من الضحايا والجرحى، نتيجة جولات العنف المتكررة على محاور القتال التقليدية بين جبل محسن وباب التبانة. يدرك الجميع في عاصمة الشمال، أن ما يسمى "قادة المحاور" ليسوا المسؤولين الوحيدين عما حصل في مدينتهم، وبالتالي هم كانوا مجرد أوراق تم تسليمها إلى القضاء اللبناني بعد إنتهاء دورها، نتيجة ذهاب الأمور نحو تقارب سياسي بين الفريقين الأساسيين في البلاد، أي تيار "المستقبل" و"حزب الله"، والأمر نفسه تكرر لدى حلفاء الحزب، من أمثال مسؤول العلاقات السياسية في "الحزب العربي الديمقراطي" رفعت عيد ووالده النائب السابق علي عيد، بالإضافة إلى رئيس حزب "التيار العربي" شاكر البرجاوي.

اليوم، وبعد قطع الوعود لـ"قادة المحاور" لتسليم أنفسهم مقابل الإفراج عنهم لاحقاً، يقبع هؤلاء وحيدين في السجن، متحملين المسؤولية عن جرائم كبيرة، ومنتظرين صدور أحكام لن تكون مخففة، بحسب ما هو ظاهر، الأمر الذي دفعهم إلى رفع السقف عالياً، من خلال تأكيد تورط رجل "تيار المستقبل" الأول على الصعيد الأمني الضابط المتقاعد عميد حمود في أحداث طرابلس، الأمر الذي ترى مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أنه يمثل إحراجاً لقيادة التيار، خصوصاً أن المعلومات تشير إلى أنها عملت على عدم إصدار أي مذكرة توقيف بحقه، مع العلم أن القاصي والداني يعلم بالدور الذي كان يقوم به.

بالنسبة إلى هذه المصادر، المعلومات التي يفصح عنها ​سعد المصري​ و​زياد علوكي​ في المحكمة لم تكن يوماً خافية على أحد، والكشف عنها على لسان "قادة المحاور" ليس الأول من نوعه، إلا أنه قد يؤدي إلى إصدار مذكرة توقيف بحق حمود بحال إستمراره في التغيّب عن الجلسات التي يستدعى إليها بصفة "شاهد"، وتستبعد إمكانية حضوره نظراً إلى الغطاء الكبير الذي لا يزال يحظى به حتى الساعة أولاً، وإلى خطر تحوله إلى "مرتكب" نتيجة التحقيقات ثانياً.

من جانبه، ينفي تيار "المستقبل" أي علاقة له بحمود في المرحلة الراهنة، وتؤكد مصادره لـ"النشرة" أن الرجل، الذي إختار ترك المؤسسة العسكرية على خلفية أحداث السابع من أيار، لم يرتبط بأي علاقة تنظيمية بالتيار يوماً، وبالتالي مواقفه وأفعاله لا يتحمل "المستقبل" المسؤولية عنها، بل على العكس من ذلك تشدد على أنها لا تغطي أي شخصية متورطة بأحداث الشمال، وتوضح أن العلاقة التي كانت قائمة بينهما يمكن وصفها بـ"الإستشارية" فقط.

وفي حين تشدد هذه المصادر على أن هذه الإتهامات من قبل علوكي والمصري كانت متوقعة، نظراً إلى أنهما يسعيان إلى تبرئة نفسهما عبر تكبير حجم القضية وتوزيع الإتهامات، تؤكد أنها تترك الموضوع إلى القضاء كي يأخذ القرار المناسب، وتلمح إلى إمكانية أن يكون الهدف منها سياسيًا، من قبل بعض الجهات التي تريد أن تستغل القضية لتشويه صورة التيار في طرابلس، بالرغم من أن التصريحات والبيانات التي صدرت عن مسؤوليه في كل جولات العنف كانت تعلن دائماً رفع الغطاء عن المسلحين، وتدعو الأجهزة الأمنية إلى التعامل معهم بالطريقة المناسبة.

من وجهة نظر مصادر طرابلسية متابعة، لا يمكن تحميل "قادة المحاور" وحدهم المسؤولية عن كل ما حصل في المدينة، وترى أن من الممكن القول أن هؤلاء تم إستغلالهم من أكثر من جهة، خصوصاً أن الجميع يدرك أنهم من فقراء عاصمة الشمال، الذين تم إستخدامهم من قبل من كان يريد أن تكون صندوق بريد لرسائل إقليمية ومحلية، وتضيف: "كل جولة عنف كانت تكاليفها بملايين الدولارات، وبالتالي من الضروري السؤال عمن كان يمولها"، لتجيب: "من المؤكد أن قادة المحاور لم يكن لديهم الإمكانات الذاتية".

وتشدد المصادر الطرابلسية، عبر "النشرة"، على أن الحل الأفضل يكمن في محاسبة كل المتورطين، أو الذهاب نحو تسوية سياسية تنهي الخلاف القديم الجديد، مع تأكيدها على ضرورة إستثناء من شارك في قتال عناصر الجيش اللبناني أو إستهدافهم، حيث تشير إلى أن الإبقاء على هذا الجرح دون الذهاب نحو مصالحة شاملة يعني إمكانية إستغلاله لاحقاً عندما تستدعي الحاجة، وتلفت إلى أن هذا الأمر ينطبق على فريقي الصراع في جبل محسن وباب التبانة، وتعرب عن مخاوفها من أن تكون المدينة أمام ملف جديد شبيه بملف "الموقوفين الإسلاميين".

في المحصلة، قد يكون السؤال الأبرز في هذه المرحلة هو عن مكان تواجد حمود، الرجل الذي تُوجَّه الإتهامات له من قبل "قادة المحاور" في المحكمة، ولماذا لا يحضر للإدلاء بما لديه من معلومات، في ظل اقاويل تشير إلى مغادرته البلاد منذ مدة.