إقترح رئيس مجلس النواب نبيه بري طاولة حوار عربية في لبنان من أجل بتِّ القضايا العربية الشائكة، صحيحٌ أنَّ الدول العربية لن تسارع إلى تلبية الدعوة، لكنَّ المقصود منها هو الإشارة إلى أهمية الحوار لحلِّ النزاعات.

لكن مع صدق الغاية من وراء هذه الدعوة، فإنَّ الأوضاع المعقدة في لبنان والمنطقة باتت أكبر وأعقد من أن تعالجها طاولة حوار، إذ تبدو وكأنَّها حربٌ في بدايتها وليست في نهايتها. وفي الإختبارات والتجارب فإنَّ المؤتمرات والحوارات تُعقَد في نهايات الحروب وليس في بداياتها.

إذا أخذنا الوقائع اللبنانية والعربية فإننا أمام المعطيات التالية:

حروب المنطقة إما أنَّها ما زالت في بداياتها، وإما أنَّها في خضمها، وإما أنَّ ما انتهى منها ما زال يتفاعل:

حربُ اليمن تدلُّ كلُّ المعطيات أنَّها ما زالت في مراحلها التصاعدية، وإرتداداتها على الداخل اللبناني واضحة في السياسة وفي الدبلوماسية.

الحربُ السورية ما زالت تستعر أكثر فأكثر، على رغم كلِّ المبادرات المطروحة.

العراق ليس أفضل حالاً مع حروب الكرّ والفرّ مع تنظيم داعش.

لبنان معنيٌّ بارتدادات هذه الحروب الثلاث بشكلٍ ليس خافياً على أحد. ولكن في مقابل هذه الإرتدادات فإنَّه يُفتَرض فيه أن يحصِّن نفسه من تداعياتها من خلال الخطوات التالية:

الدفع في اتجاه تهيئة الأجواء لانتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، فعلى رغم كل التعليلات والتبريرات فإنه ليس من المنطقي ولا من المعقول أن نبقى سنة من دون رئيس، ومخطئ مَن يتوهَّم أنَّه يُفتَرض الإنتظار إلى حين إنقشاع الأجواء المحلية والإقليمية والدولية، فهذه الأجواء تزداد سوءاً، إذ في مثل هذه الأيام من العام الماضي كانت الحروب أقل والجبهات أقل، ومَن يدري فقد تكون الأوضاع في الشهور المقبلة أكثر سوءاً فهل نبقى من دون رئيس إلى ما شاء الله؟

واهمٌ مَن يعتقد بأنَّ العالم سيوقِف دوران الكرة الأرضية لتوفير الظروف الملائمة لانتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، العالم لا يبالي ولن يبالي بنا إذا بقينا على هذا المنوال، كم من إنتخابات جرت في العالم ومن حولنا منذ أيار الماضي وحتى اليوم؟

هل توقفت الكرة الأرضية عن الدوران من أجل توفير الظروف الملائمة، لتلك الدول لإجراء الإنتخابات؟

أما آن لهذا الوهم أن ينتهي؟

أما آن للواهمين أن ينزلوا إلى أرض الواقع؟

عبثاً التفتيش عن البدايات لإنقاذ الوضع، وعبثاً القول إنَّ البلد يستطيع أن يستمر من خلال مقولة تصريف الأعمال. إنَّ هذا وهمٌ ما بعده وهم، والخشية كل الخشية هي في أن يبدأ البعض بالإعتقاد بأن البلد قادرٌ على الإستمرار من دون رئيس للجمهورية.

مَن لا يُصدِّق هذه المخاوف فلينتظر حتى حزيران المقبل ليجد كيف أنَّ معظم المناصب القيادية ستُصبح في فراغ، فهل يعيش البلد في تصريف الأعمال أو في تسييرها بالوكالة أو بالتكليف أو بالإنابة؟

بالمناسبة، للمنتظرين إليكم هذا الرقم:

العجز في الموازنة يناهز الخمسة مليارات دولار. في ما مضى كان هذا الرقم هو الموازنة! هل ستنتظرون أكثر؟