مرّ شهرٌ تقريبًا على بدء فصل الربيع، لكنّ ​معركة القلمون​ التي كثر الحديث عنها وحُدّدت لها الكثير من المواعيد المتزامنة مع هذا الفصل لم تنطلق، ما يثبت نظرية "كثرة الكلام تسبق الفِعل" التي كانت "النشرة" قد طرحتها في وقتٍ سابق. واليوم، عاد الحديث من جديد حول هذه المعركة، فهل تبدّل الواقع وبات يمكن الحديث عن قرب اندلاعها، أم أنّ معركة جرود القلمون أُرجئت وتأخّرت مرّة جديدة؟

في المعلومات أنّ المرحلة الأولى التحضيريّة لإنطلاق أيّ معركة مُحتملة في المُستقبل بمجرّد الحصول على "ضوء أخضر" بذلك، قد إستكملت، حيث أنّه تمّ إنجاز ما يلي:

أوّلاً: الإنتهاء من مسألة الرصد والإستطلاع لمواقع مُختلف الجماعات المُسلّحة المُنتشرة في جرود القلمون، عبر تجميع المعلومات الإستخباريّة المَيدانيّة، والتصوير الجَوّي بطائرات من دون طيّار، والمراقبة عبر المناظير الليليّة، إلخ. وصارت قدرات مُسلّحي جرود القلمون معروفة تماماً، من حيث نوعيّة العتاد، ومواقع الإنتشار، ومغاور الإختباء وتخزين الذخائر، إضافة إلى تقدير عددهم الإجمالي بنحو 3,000 مُسلّح، إضافة إلى بضع مئات آخرين من غير المُتمرّسين في القتال.

ثانياً: الإنتهاء بنسبة تزيد على 90 %، من تحصين الخطوط الدفاعيّة للمواقع الحدوديّة اللبنانية القريبة من مناطق إنتشار المُسلّحين في جرود القلمون، وذلك من قبل كل من ​الجيش اللبناني​ من جهة، ومُقاتلي "حزب الله" من جهة أخرى، بعد سلسلة من الهجمات المحدودة والمُتفرّقة طوال الأشهر الماضية، والتي كانت تنتهي كلّ هجمة منها بقضم تلّة أو تلّتين، الأمر الذي سَمح برسم خطّ دفاعي يحول دون إنسحاب المُسلّحين نحو الأراضي اللبنانيّة في حال تعرّضهم لضغط ميداني كبير، مع بعض الإستثناءات المُحدّدة على مُستوى جرود عرسال.

ثالثاً: الإنتهاء من تحضير الجزء الأكبر من قوى "حزب الله" التي من المُقرّر أن تُشارك في المعركة من جهة الحدود اللبنانيّة، في إنتظار إستكمال إستعدادات القوى التي ستُشارك من جهة العمق السوري، حيث أنّ هذه المسألة لا تزال تُمثّل ثغرة مُهمّة في التحضيرات لإنطلاق الهجوم. إشارة إلى أنّ الجيش السوري يُعوّل على الوحدات العسكريّة التابعة له والتي تتقدّم ببطء على جبهات الزبداني، لقطع جزء أساسي من خطوط الإمداد لمُسلّحي جرود عرسال من جهة، ولتوفير قّوّة عسكريّة هجوميّة إضافيّة.

في المُقابل، وبحسب المعلومات المُتوفّرة أيضاً، إنّ العوائق التي لا تزال تحول دون إطلاق "معركة القلمون" حتى اليوم، تشمل مجموعة من العوامل والإعتبارات أبرزها:

أولاً: عدم إنجاز ملفّ العسكريّين المخطوفين، حيث أنّ إنطلاق أيّ معركة شاملة وعنيفة ضدّ المُسلّحين، يَعني تلقائياً تعريض حياة كل العسكريّين الأسرى لدى الجماعات المُسلّحة إلى أخطار ميدانيّة كبيرة. فحتى لو أنّ المُسلّحين سيُحاولون عند إنطلاق المعركة الحفاظ على حياة العسكريّين المخطوفين، للمساومة بهم على حياتهم الشخصيّة في مرحلة لاحقة، إلا أنّ عُنف المعارك المُرتقبة سيُهدّد حياة العسكريّين تلقائياً.

ثانياً: عدم تأمين العدد الكافي للعمليّة من جانب الجيش السوري حتى اليوم، حيث أنّ الطبيعة الجُغرافية الصخريّة والوعرة والعالية الإرتفاع عن سطح البحر لمنطقة جُرود القلمون ومُختلف مناطق إنتشار المُسلّحين على الحدود الفاصلة بين لبنان وسوريا في سلسلة الجبال الشرقيّة، ووسع المساحة الجغرافية الوعرة التي يتوزّعون عليها، يستوجب أعداداً كبيرة من المُقاتلين لنجاح الهجوم من جهة، وللتمكّن من تغطية الأماكن التي سيُخليها المُسلّحون بنقاط تمركز ثابتة منعاً لعودتهم إليها في المُستقبل من جهة أخرى. وعلى الرغم من تحضير وحدات عدّة للمعركة حتى تاريخه، خاصة من قبل "حزب الله"، فإنّ عددها ليس كافياً بعد، خاصة من قبل الجيش السوري.

ثالثاً: عدم إعطاء القيادة العسكريّة السوريّة الأولويّة لجبهة القلمون بعد، نتيجة ضُغوط ميدانيّة تُواجهها على أكثر من جبهة، منها في إدلب وحلب ودرعا وغيرها، علماً أنّ الجيش اللبناني لن يُشارك في أيّ هجوم، ودوره لا يتعدّى الدفاع عن مواقعه وعن القرى والبلدات اللبنانيّة في حال تعرّضها لأيّ إعتداء، ومُقاتلو "حزب الله" لن يُبادروا إلى تنفيذ هجوم شامل ما لم يُقابله هجوم سوري مُماثل في الوقت عينه، لأنّه من دون إيقاع المُسلّحين المُعارضين للنظام السوري بين فكّي كمّاشة، فإنّهم سيعتمدون قتالاً تراجعياً يؤدّي إلى إرتفاع الكلفة البشريّة لأيّ قُوّة مُهاجمة، وهذا ما لا يُريده "الحزب" إطلاقاً.

في الخلاصة، لا بُد من التذكير أنّه إعتباراً من تاريخ سقوط يبرود التي كانت تُوصف بعاصمة القلمون في مُنتصف شهر آذار 2014، تمّ وضع سلسلة من التواريخ لإطلاق هجوم جرود القلمون، لكنّها سقطت كلّها تباعاً ومن دون أيّ تبريرات تُذكر. واليوم ومع إستمرار ذوبَان ما تبقّى من بُقع ثلجيّة محدودة في جرود القلمون، ومع الإقتراب بسرعة من مُنتصف فصل الربيع، يبدو أنّ معركة جرود القلمون لن تنطلق في القريب العاجل على الأرجح، حيث من المتوقّع أن يستمرّ في الأسابيع القليلة المُقبلة تضييق الخناق على الجماعات المُسلّحة، عبر مزيد من الهجمات في القرى والبلدات السورية المحيطة بالجرود، وعبر تقسيم المنطقة إلى مُربّعات أمنية مُستقلّة بعضها عن بعض. والهدف هو تضييق الخناق أكثر فأكثر على مُسلّحي الجرود، وزيادة شدّة الحصار اللوجستي المفروض عليهم لجهة منع أيّ إمدادات بالسلاح والذخائر، وبالتالي جعل أيّ معركة مُستقبليّة أسهل وأسرع وأقل كلفة من ناحية الخسائر البشريّة.