منذ إغلاقه شركتي الغاز "صيداكو" و"موصللي" في بئر حسن في ايار من العام الماضي وبين إنهائه تمرد المبنى دال في سجن رومية اخيراً، تغير نهاد المشنوق كثيراً. التغيير في المشنوق لم يأت مجرد تحسينات في "اللوك" او تسريحة الشعر فقط بل ايضاً في نبرة الصوت ولغة التخاطب مع اهل الاعلام وكذلك المراجعين والعامة من الناس. ويبدو ان وزير الداخلية والبلديات استفاد كثيراً من لقطته امام الاعلام مع امين احد مستودعات الغاز في بئر حسن فرد المشنوق على اعتراض الاول على الاغلاق :"ما حدا بيعلمني شغلي واعرف حالك مع مين عم تحكي".

اليوم يتقن نهاد المشنوق اللعبة السياسية ويعرف جيداً ماذا يفعل، فلم يستفد فقط من رد اعتباره بإعادته الى وزارة الداخلية وزيراً بعدما ابعد منها موظفاً الى خارج لبنان. بل بنسج افضل العلاقات مع كل مكونات العمل السياسي في لبنان والامتدادات الاقليمية والدولية والعربية التي يحتاجها رجل السياسة على المدى البعيد ورجل الامن على المدى المنظور.

وقد يكون البعض محقاً ان طينة الرجال وصلابتهم احياناً تجعلهم ناجحين وقادرين على تحقيق الانجازات، لكن الاكثر صواباً ان الحظ والظرف السياسي يخدمان اكثر ويلمعان صورة صاحب الشأن العام في اي مجال كان.

وليس اكثر حظاً من رجل اسمه نهاد المشنوق عاصر مرحلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري بكل تشعباتها وزواريبها وخصوصاً في الاعوام الاخيرة من حياته وكان شاهداً بعد العام 2001 على إعادة تركيب المشهدية الجديدة في العالم العربي وكل الشرق بعد تهاوي البرجين في 11 ايلول.

اغتيل الحريري وبقي المشنوق خلف الضوء قابضاً على علاقاته وامتداداته من دمشق الى طهران فالدوحة فالرياض فواشنطن مروراً بباريس التي شهدت على بعض محطاته مع الرئيس الشهيد.

وبعد تكليفه من الرئيس سعد الحريري تولى وزارة الداخلية، خدم الحظ المشنوق كثيراً ولم يتخل عنه الا فيما ندر في بعض التصريحات حيناً وبعض القرارات التفصيلية احياناً اخرى لكنه على المستوى الاستراتيجي يعرف من اين تؤكل الكتف وكيف تساق الابل.

التوافق الذي انتج حكومة سلام بين "حزب الله" و"المستقبل" خدم المشنوق وامّن له مظلة سياسية كبيرة كان يحتاجها "حزب الله" اكثر من تيار "المستقبل". فوقتها كان الحزب يكافح الارهاب والانتحاريين والمستقبل يحمله تبعات التفجيرات والسيارات المفخخة كرد "طبيعي" على تدخله في سورية، فكانت تصريحات "المستقبل" ورموزه والمشنوق من بينهم من حيث يدرون او لا يدرون يوفرون غطاءً سياسياً وحماية مذهبية لكل المشبوهين بتسهيل حركة الارهابيين ومساعدتهم وتوفير البيئة الحاضنة لهم وكذلك تسهيل حركة التمويل والتسليح وصولاً الى توفير المظلة اللازمة للافراج عن بعض المشبوهين والمطلوبين الكبار فور توقيفهم وبلا "شوشرة" او اعلام و"يا دار ما دخلك شر".

بعد ان اخذت السعودية قرارها الشهير بمباركة "الشراكة المحدودة" مع طهران في الحكومة السلامية الاولى، وجد المشنوق نفسه امام تحد كبير فإما ان يثبت لخصومه انه اهل لهذه المسؤولية وإما ان يتهشم هو ومستقبله السياسي فصار يقارع الارهاب ويحقق الانجاز تلو الآخر حتى برز اخيراً انجازا مقتل الارهابي اسامة منصور وتوقيف الارهابي خالد حبلص وشبكته ومن لف لفه وتفكيك خليتي المبنى باء ودال الارهابيتين في رومية.

ويعتقد خصوم المشنوق في السياسة ان لولا الغطاء الممنوح له بموجب الائتلاف في الحكومة والحوار الجاري بين "حزب الله" و"المستقبل" برعاية الرئيس نبيه بري والقرار الاقليمي الكبير وخصوصاً السعودي بالتخلي عن الورقة السلفية لخطورة انفلاشها وعدم السيطرة عليها، لما تمكن من تحقيق كل هذه الانجازات ولو كان من غير تيار "المستقبل" ومن غير الطائفة السنية وفي غيرها من الظروف لما تمكن ايضاً الا من مهادنة كل الارهابيين ونقلهم بسيارته الخاصة كما فعل بعض ساسة طرابلس.

في المقابل ورغم كل الانجازات التي يحققها المشنوق في الامن يقابله نجاح في السياسة فصال وجال من الاردن وقطر ومصر والسعودية وواشنطن ويراكم في ملفه السياسي المستقبلي علاقات اضافية استحضر بعضها خلال لقائه الاخير بالمسؤولين السعوديين والحريري في الرياض اخيراً.

الحرب الخفية والصامتة التي يقودها المشنوق وخلف الابواب الموصدة هي معركة التنافس داخل "المستقبل" على الكرسي السنية الشاغرة بعد انتخاب رئيس للجمهورية والذي سيأتي يوم ليس ببعيد وسيجرى الانتخاب وتحين الفرصة لاختيار بديل غير تمام سلام ليكون ملائماً للمرحلة - التسوية التي ستأتي بالرئيس العتيد فإذا كانت الفرصة مؤاتية لعودة الحريري الى السراي يبقى المشنوق منتظراً الى كتف الحريري الايمن ليحين دوره وسيأتي ذلك اليوم طالما انه في الاعلام صرخ في وجه المارد الايراني من دون ان يستفزه وغازل السعودي من دون ان يغرق في المجاملة وغادر المنبر وكأن شيئاً لم يكن.