يكثر الرئيس السابق للجمهورية ​ميشال سليمان​ اطلالاته الاعلامية منذ خروجه من قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته الرئاسية، ويجهد لابقاء صورته حاضرة داخل لبنان وخارجه للعب دور سياسي، وتوطدت علاقته بالاعلام بشكل اوثق بعد مغادرته الرئاسة بطريقة مباشرة او عبر زملاء نسج معهم علاقات طيبة، فالفارق واضح بين عدم اهتمام "فخامة الرئيس" بالاعلام خلال فترة الولاية وهيام "الرئيس السابق" بكل ما يتعلق بالاعلام خلال الفترة الحالية.

في احدث اطلالاته الاعلامية، بدا واضحاً ان سليمان يحاول ايجاد مخرج للازمة اللبنانية، وهو اجاب على سؤال افتراضي حول قبول ترشحه للرئاسة، بجواب افتراضي اكثر منه اذ قال: "نعم أقبل بإعادة ترشحي للرئاسة ولكن كمرشح توافقي فقط، وعندما يعودون إلى ​إعلان بعبدا​، عندها أصبح رئيساً توافقياً".

ان كنت من مؤيدي سليمان ام من معارضيه، لا يمكن الا ان تحترم اصراره الى حدود اللجاجة على اعتبار اعلان بعبدا خشبة خلاص لبنان، والدواء السحري لكل الامراض التي يعاني منها البلد. ولكن، هذا الامر لن يكون كافياً له للعودة الى قصر بعبدا واعادة عقارب الساعة الى الوراء، علماً انه وقع ايضاً في تناقضات واسعة في الحديث نفسه.

فقد اعتبر سليمان ان العائق الذي يمنع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون من الوصول الى الرئاسة هو انه لا يملك الاكثرية، والتحالفات التي لا تؤيده اكثر من تلك التي تؤيده. هذا الامر ينطبق تماماً على اعلان بعبدا، فمعارضو هذا الاعلان اكثر من مؤيديه، بالتالي فإن الشرط الذي وضعه سليمان لقبول عودته الى الرئاسة لا يمكن ان ينفّذ. واذا سلمنا جدلاً ان "حزب الله" وبعض القوى تراجعوا عن موافقتهم على اعلان بعبدا، فإنهم مصرون على عدم الالتزام به لسبب او لآخر، فهل يمكن لاحد ان يجبرهم على اعادة الالتزام؟

واذا كان اعلان بعبدا قد حظي بالفعل باعتراف اقليمي ودولي، الا انه لا يمكن لهذا الاعتراف ان يطبّق بشكل عملي بالقوة على الاطراف، وهو بأي حال يبقى اقل بكثير من القرارات الدولية الصادرة عن الامم المتحدة ومجلس الامن والتي لم تطبّق، فهل ستتم المطالبة بتطبيق اعلان بعبدا تحت بند الفصل السابع؟

وهنا، نفتح هلالين لتقديم نصيحة قد لا يتقبلها سليمان، انما تبقى مجانية على كل حال، ويجب ان ينتبه اليها في المرات المقبلة، وهي الابتعاد عن كلمة "مباركة"، اذ في معرض اجابته على سؤال عن الحوار بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، قال: "أؤيد هذا الحوار واباركه".

من الطبيعي الا يكون سليمان قد قصد بالمباركة، الناحية الروحية كونه ليس من الاشخاص المخولين ذلك، ولكنه بالطبع لم يعد من الاشخاص المخولين ايضاً اضفاء مباركة معنوية او سياسية، وبامكانه فقط تأييد او معارضة ما يريد.

على اي حال وفي عودة الى قضية امكان عودة سليمان الى قصر بعبدا، فإنه لم يعد من المجدي التمسك باعلان بعبدا بصفته "الفانوس السحري" الذي اذا قام احد بحفّه، يخرج "جنّي المصباح" ويحقق رغبة صاحب الفانوس اياً تكن، ويصبح الجنّي اداة طيّعة في يد مالك الفانوس السحري.

يتفهم الكثيرون ان اعلان بعبدا اصبح كأحد افراد عائلة الرئيس السابق للجمهورية، ولكن بات عليه ان يبقيه في المنزل ايضاً، واذا اراد ان يسوّقه، فعليه ان يؤمّن الاجماع عليه وهي مقاربة يقوم بها بطريقة خاطئة جداً، فإن كان هذا الاعلان هو بالفعل خشبة الخلاص للبنان، فعلى سليمان ان يجد الطريقة المناسبة لاقناع الاطراف به، واذا قدر له ذلك، من يعلم؟ قد يكون عندها وصوله الى بعبدا مجدداً ممكناً، ولكن حتى ذلك الحين، من الافضل ابقاء الفانوس السحري والجنّي مع اشقائه داخل المنزل.