- ليس شأناً عادياً ما أوردته وهللت له الفضائيات والمواقع الممولة من السعودية، أن تقوم سفن حربية أميركية بمحاصرة سفن إيرانية والإعلان عن نية تفتيشها للاشتباه بحملها سلاحاً وذخيرة يُراد إيصالها إلى اليمن، فكلّ خطوة تتصل بماهية التعامل الأميركي الإيراني، في الشؤون السياسية والديبلوماسية والمالية والقانونية، خصوصاً العسكرية والأمنية، هي نموذج يُراد تكريسه عرفاً يحكم العلاقات الثنائية بعد توقيع الاتفاق النهائي. وسيكون المغزى كبيراً من قبل الطرف المبادر إلى خطوات ترسم إطاراً سلبياً للتعامل، لوضع ما يشبه الخطوط الحمراء للطرف الآخر، كما سيكون لقبول ورفض الطرف الآخر مغزى مماثلاً، سيشكل أداء الفريقين، تعبيراً عن تفاوض غير مباشر، رديف ومواز للتفاوض الجاري حول الملف النووي، كما سيكون لاتصال هذه الخطوات، بأمن الخليج، أو أمن «إسرائيل»، معنى أبعد مدى في العلاقات الأميركية الإيرانية، ترسم عبرها واشنطن أو طهران، وفقاً لتبادل الكرة بين الفعل وردّ الفعل حتى رسوها على معادلة يقبلها الفريقان، ما دام ممنوعاً عليها أن تطيح بمفاوضاتهما الأصلية، ما يمكن تسميته بالبنود غير المكتوبة في الاتفاق الموقع بينهما حول حدود الحركة التي يسمح الأميركي بالتقرّب الإيراني عبرها من حليفتيه الأبرز السعودية و»إسرائيل»، وحدود القبول الإيراني برسم هذه الحدود، وعبر التبادل المحسوب والدقيق لكلّ نقلة من اللاعبين، سيتمّ ترسيخ أعراف ما سيُعرف بقواعد الاشتباك الجديدة بينهما على مساحة المنطقة التي تشكل مسرح عملياتهما المشترك، وتتباين فيها المصالح بقوة في شأن مدى الحماية التي يحظى بها الحليفان السعودي و»الإسرائيلي» الأقرب لأن يكونا بالنسبة إلى أميركا شريكين استراتيجيين في هذه المنطقة.

- الخبر المنقول يبدو صحيحاً، على رغم سرعة نفيه، وإعلان البحرية الأميركية ووزارة الدفاع الأميركية في بيانين متطابقي المعنى والوظيفة التأكيدية، بأنّ السفن الأميركية في منطقة الخليج لها مهمة واحدة هي تأمين الملاحة الدولية، وليست معنية باعتراض السفن الإيرانية، تأكيد للخبر في معرض النفي، ما يعني أنّ فعلاً سلبياً قد جرى وردّ فعل تصعيدي قد قابله، وأنّ التوتر قد بلغ درجة أقرب إلى الغليان، انتهت بتسوية حمل مضمونها البيان الأميركي الذي صدر.

- حاول الأميركيون عبر خبر نقلته وكالة عالمية هامة هي «أسوشيتيدبرس»، أن يبلّغوا الإيرانيين، أنّ التفاهم النووي لا يعني حرية حركتهم وتنقلهم في مياه الخليج، وأنّ الاتفاق النووي يعلن إيران دولة إقليمية عظمى لكنه لا يعني حقوقاً مكتسبة لإيران بنقل ما تريد عبر سفنها التجارية مستقوية بحماية ما تنشره من سفن حربية في المنطقة، وردّ الإيرانيون بأقنية مناسبة لإيصال الجواب أنّ أمام الأميركيين أحد خيارين إما نفي الخبر أو تأكيده، وأنّ السفن الإيرانية باقية ولن تتزحزح ولن تستجيب لأيّ نداء للتفتيش وجاهزة للاشتباك إذا ما تعرّضت لأيّ تحرش، ولذلك سيصدر بيان عن قيادة القوات البحرية الإيرانية بعد ساعة من تبلغ واشنطن الرسالة يقول إن لا صحة لما نقل عن تعرّض سفن إيرانية للتفتيش أو الطلب إليها الامتثال لنداء اعتراض من سفن حربية أميركية، وأنّ البحرية الإيرانية جاهزة لمعاملة كلّ تحرّش خارج نطاق القانون الدولي وقوانين الملاحة في الممرات المائية الدولية بما يتناسب مع ممارسة حقوقها القانونية كاملة، وبعد أخذ وردّ وتبادل لرسائل عبّرت عن حال توتر وغليان، ربما لو انفلت من عقاله لدخلت المنطقة مرحلة انفجار بركان. صدر البيان التوضيحي الأميركي، والمهمّ فيه هي الجملة الأخيرة، التي جرت إعادة صياغتها مرات عدة قبل أن ترسو على النص المنشور «ليس من مهمة السفن الأميركية اعتراض السفن الإيرانية».

- مسار تفاوضي شاق وصعب، خرجت بموجبه إيران بنصر كبير، سيصير حقاً مكتسباً، في تحديد الاتفاقات غير المكتوبة بالتوازي مع الاتفاق المكتوب حول ملفها النووي، وسيرسم قواعد الاشتباك في ما يخصّ علاقة إيران بأمن «إسرائيل» وأمن الخليج، وحدود دور أميركا في التعامل مع إيران على هذين الصعيدين.

- خسرت السعودية حيث ربحت إيران، فبعدما أذاعت خبر التفتيش بحماسة، نقلت النفي بامتعاض.