تقترب الحرب على اليمن من عتبة مدة الشهر الكامل وهي اليوم في أسبوعها الأخير منه، وقد حصدت هذه الحرب حتى الساعة نتيجة القصف السعودي المبرمج أهدافاً معدة مسبقاً على لائحة بنك أهداف يمنية كان لا بدّ من توزيعها على مدى أيام الحرب الجوية الأولى المعدة، أي بمعنى آخر كان من المفترض أن يحسم الأسبوع الأول من الحرب المعركة ويحقق الأهداف السعودية كما هو معهود عسكرياً كاعتماد على التغطية الجوية التي تسبق الدخول البري والتي غالباً لا تطول لتلامس الشهر أو تتخطاه، كما هو الحال اليوم.

بالنسبة إلى الرياض، فإنّ الأهداف جميعها حوثية، وفي المقابل، يؤكد اليمنيون على أنّ الأهداف ليست عسكرية إنما مدنية وقد استهدف القصف أطفالاً ونساء وشيوخ.

إنّ المأزق الذي يقع فيه الطرفان اليوم، وإن اختلف بين الانعكاس السلبي والإيجابي بينهما، بات العامل الضاغط الأساس، فحتى الساعة ورغم الدمار الكثيف الذي لحق باليمن، ولو سلم جدلاً أنها أهداف حوثية، فإنّ الحوثيين لم يردّوا على السعودية بتاتاً ولم يتوسعوا في دائرة الحرب لتطالها مباشرة، وهم يكتفون، حتى الساعة، بالردود السياسية وبالتقدم الميداني الذي لا يعير ما يجري في الجو اهتماماً، إلا أنّ أيّ استهداف مباشر من قبلهم للمعتدي لم يحصل.

المأزق السعودي واضح، لأنّ عامل الوقت لم يعد لصالح السعودية على الإطلاق، وخصوصاً أنّ التقارير العسكرية في اليمن تشير إلى أنّ بعض الأهداف قد أعيد قصفها للمرة الثالثة، وبالتالي فإنّ نفاذ بنك الأهداف سيجعل الحرب عبثية أمام قادتها، وبالتالي فإنّ خطوة ما مقبلة وسريعة يجب أن تتخذ.

اتضح المأزق السعودي في دخول اليمن برياً من خلال التأخر فيه، أو ربما العدول عنه و عن التورط البري فيه لأنه ولو كان العكس لكان من المفترض أن تكون القوات السعودية قد دخلت الأراضي اليمنية منذ أواخر الأسبوع الثاني، على أبعد تقدير، أي بعدما يكون سلاح الجو قد مهد للجنود وفتح أمامهم الأرض كممرات ومعابر سهلة تؤمّن مروراً سلساً.

لم تدخل السعودية البر اليمني حتى الساعة، لأنها تعرف أنّ جيشها لا يستطيع ذلك، وفق تعليمات ونصائح أميركية تستند على تقارير استخباراتية ومعلومات مباشرة عايشتها العلاقات العسكرية الأميركية ـ السعودية، وخصوصاً لناحية التدريب المشترك الذي تخضع له فئة سعودية من الضباط والفرق الخاصة في أميركا، وهي معنية بنمو وتطوير الجيش السعودي، وتفيد تلك التقارير بأنّ الجيش السعودي أكثر الجيوش المعرضة للتفكك السريع لأسباب عديدة أهمها أنه لم يخض حروباً حقيقية حتى الساعة وأنّ أي اهتزاز فيه قد يعرض المملكة برمتها للخطر.

تعرف السعودية أنّ الجندي السعودي والجندي اليمني لا يشبهان بعضهما في شيء على الإطلاق، وأنّ لكل منهما عقيدة ومنطق وبنية و بيئة اجتماعية متباعدة تحتم على كلّ منهما اتخاذ مواقف مغايرة في حالات الحرب والمنازلة.

تعرف السعودية أنّ جنديها الذي يعيش حياة مرفهة وفي مستوى معيشي لائق ومتميّز، إلى حد ما، لا يمكنه أن يقاتل من ليس لديه شيئاً ليخسره سوى معركته، وبالتالي لا يمكنها كسر إرادة مقاتل يقاتل من أجل حياة كريمة أمام مقاتل يقاتل وهو يملك منها الكثير وسيقف ويسأل: «ما جدوى هذا القتال»؟

إنّ الجيش السعودي معرض للاهتزاز في أي وقت وفي أي لحظة تتخذ فيها السعودية قرار المنازلة مع اليمنيين، وأي اهتزاز فيه سيضع مصير المملكة على المحك، وبالتالي فإنّ قرار المحافظة على الجيش السعودي وتماسكه ما زال سيد المشهد.

المأزق الذي يقع فيه الحوثيون اليوم، سيصبح في القريب العاجل ضغطاً حقيقياً ومسؤولية يعيها جيداً قائدهم السيد عبد الملك الحوثي، وهي أنّ الاستمرار في القصف السعودي لأكثر من شهر على الأحياء والمنشآت اليمنية لا يمكن أن يقابل بخطاب تأكيد ثوابت وثقة لأنّ قاعدته الشعبية ستصل إلى وقت تسأل فيه عن سبب عدم الردّ وردع السعوديين.

تتمنى القاعدة الحوثية المواجهة البرية مع السعودية والتي تعرف ذلك بدورها جيداً، لأسباب عسكرية وجغرافية، فالطبيعة في اليمن تلعب دوراً كبيراً لمصلحة اليمنيين الذين عرف عنهم تاريخياً أنهم أهلكوا كلّ من اقترب منهم منذ العهد العثماني وحتى اليوم.

لا تتعامى السعودية عن الحقائق التاريخية وهي تتصرف، حتى الساعة، مع الفريق الأميركي المرشد والمساند والحليف بوعي وإدراك للحدود التي يمكن لها أن تجول فيها أو الهامش المتاح لها ومخاطر الحرب البرية.

هذه الحقائق ضيقت الخناق أكثر على الرياض بعد إطلالة الحوثي الأخيرة التي بدا فيها واثقاً وقادراً على استكمال الحرب كأنها لم تبدأ حتى، مؤكداً وجود خيارات واسعة ومفتوحة أمامه.

في المقابل، إنّ أي تراجع سعودي سيسجل نقطة سوداء للمملكة أمام كلّ حلفائها وجيرانها في مجلس التعاون الخليجي الذين وضعوا اعتماداتهم كلها من أجل حرب ظنوا أنها منتصرة لا محالة، لذلك فإنّ من غير المسموح لها أن تفشل وأن تتقبل أي هزيمة، وإن كان الأميركي قد رمى كرة اللهب في قلب الديوان الملكي عندما بعث برسالة مفادها أنّ الحرب السعودية على اليمن ليست «منطقية»، بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى واشنطن، رسالة لم تكن إشاعة أو ارتجالاً، وبمعنى أدقّ، أرادت إدارة أوباما القول إنّ الحرب التي وافقنا عليها بأمل الانتصار السريع لم تعد منطقية، بالشكل التي هي عليه اليوم.

معرفة العقل السياسي السعودي والاعتبارات التي يأخذها بعين الاعتبار كمكانة ومهابة عند دول الجوار وأمام الغرب تشير إلى أنّ الحرب مستمرة ولا بوادر حلول وسياسية قريبة، وتؤكد أنّ الردّ الحوثي اقترب أكثر من أي وقت مضى بسبب الإحراج الكبير المقبل إذا لم تتدارك السعودية أنّ أي مبادرة سياسية هي إخراج لها من الأزمة، وبالتالي فإنّ الاحتمالات جميعها مفتوحة أمام اليمنيين إذا استمرت السعودية في وتيرة حربها. فهل تكون براً أم بحراً أم جواً؟

اقترب الردّ وهذا الأهمّ.