استفقت بتاريخ 22 نيسان 2015 على غرار الكثير من اللبنانيين، يراودني توتر لازمني طوال الليل، احسست بشعور وصل الى حد الخوف. اختبأت في دهاليز ذهني بشكل سريع مشاهد القتل والاجرام والقلق على الوجود المسيحي واخبار المجموعات والمنظمات الارهابية وفظائعها، وحلّ محلها مشهد ارهابي من نوع آخر واسمه "​قانون السير الجديد​".

لم ينجح المعنيون في تجميل هذا القانون قبل ان يبدأ العمل به في 22 نيسان، فشعر العديد من اللبنانيين انهم وضعوا امام امتحان جامعي مصيري او مقابلة عمل تحدد المسار المهني الدائم، او على خط التماس في جبهة عسكرية. ومع التقدير لما تحاول المديرية العامة لقوى الامن الداخلي القيام به للتخفيف من هذا الشعور، الا ان الوضع لم يتغيّر.

عندما بدأ الحديث عن هذا القانون منذ اسابيع قليلة، هللنا جميعاً وسادت لحظات من الفرح والسعادة لان القانون يحمي الاطفال بالدرجة الاولى (يمنع وضعهم على المقاعد الامامية او في الخلف من دون كرسي خاص...)، كما يحمي السائقين من السرعة التي تودي بحياتهم وحياة آخرين، ويحمي الدراجين اذ يفرض عليهم وضع الخوذات والتقيد بقوانين محددة لمنع البهلوانيات والسرعة... ولكن لحظات السعادة هذه لم تدم طويلاً لاننا تذكرنا سريعاً اننا في لبنان وان الامور ليست بيضاء او سوداء بل غالباً ما تكون رمادية.

وقبل ان اغادر المنزل الى العمل، بدأت التفكير بسلسلة معطيات منها مثلاً ان القانون الجديد (177 صفحة بعد تنزيله من موقع قوى الامن)، يغطي اموراً يحتاج المواطن الى سنوات ليعتاد عليها، وهو ما يحصل في الدول التي نحاول التشبه بها اذ ان القانون هناك كان سارياً منذ عقود واجيال ونشأ الناس عليه واعتادوا على متطلباته، فيما نشأ الناس في لبنان على فوضى السير والمحسوبيات، فهل يمكن الانتقال من الفوضى الى النظام بأسابيع او اشهر؟ ناهيك عن انه في الدول الاخرى، تتحمل الدولة مسؤولياتها ان لجهة تجهيز الطرق والانارة والصيانة الدائمة والتدريب المستمر لعناصر الامن للتعاطي مع المواطنين وقمع الفساد الذي وان بقي، يكون بنسبة ضئيلة جداً نسبة الى عدد العناصر الكبير.

ليس من السهل وضع مصير اموالك وربما وسيلة انتقالك في ايدي اناس آخرين، فبغض النظر عن عبوات الاطفاء والمثلثات... (التي بات وجودها في الاسواق نادراً بسبب الطلب عليها)، هناك كميات هائلة من المواد والقوانين التي يجب ان تكون على علم بها للتخلص من اي هفوة قد تلاحقك على الطريق ومنها على سبيل المثال:

"استعمال حزام الامان لكافة مستعملي المقاعد الامامية والخلفية في انواع المركبات كافة المجهزة بهذه الاحزمة من المصنع".

"يحظر على المركبات الآلية ان تجرّ خلفها مركبة اخرى معطلة بواسطة القطر"

"على كل صاحب سيارة خصوصية يستخدم سائقاً مأجوراً او اكثر، أن يكون السائق لبنانيا وان يسجل لدى المصلحة المختصة..."

"يمنح كل سائق يحمل رخصة سوق صالحة، اثنتي عشرة نقطة (12 نقطة ) كرصيد في السجل المروري . تسحب هذه النقاط بالتناسب مع المخالفات المرتكبة كما هو مبين في هذا القانون وجداول المخالفات الملحقة به".

"يجب أن تزود سيارات التاكسي أي سيارات الأجرة التي تعمل تحت الطلب، بعداد (تكسيمتر) يسجل أجرة النقل التي يتوجب على الراكب دفعها".

"يحظّر على سائقي الباصات التلهي بالحديث مع أي كان أو الاكل أو التدخين خلال نقلهم للركاب".

كما ان هناك قوانين للمشاة الذين يتوجب عليهم دفع غرامة قدرها 20 الف ليرة اذا لم يلتزموا بالقانون...

وكنت كلما استغرقت في الاطلاع على مواد هذا القانون، زاد التوتر وتصبب العرق على جبيني، خصوصاً عندما كنت اتساءل عمن سيطبّق هذه القوانين. من الطبيعي الا يكون كل عناصر قوى الامن تحت الشبهة، ولكن الفكرة العامة هي غير ذلك تماماً، وهنا لفتني ما ذكره رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الامن المقدم جوزف مسلّم لجهة طلبه "من المواطن عدم محاولة رشوة أي عنصر من قوى الأمن حتى ولو التمس عنصر قوى الأمن رشوة من المواطن".

ولكن السؤال الحقيقي هو حول استعداد هذا العنصر استخدام نفوذه وصلاحياته لاجبار الناس على رشوته، فمثلاً ماذا لو اوقف العنصر السائق وقال له ان نفايات خرجت من سيارته، وعرض عليه دفع مبلغ اقل من الغرامة المنصوص عليها، هل سيفرّط السائق بكمية اكبر من المال ام سيكتفي بدفع المبلغ الاقل قيمة؟

اما القول باللجوء الى التبليغ، فهو محاولة مشكورة ولكنها ناقصة، اذ ما الذي يثبت اقوال السائقين او المواطنين في حال حصول مشكلة مع عنصر قوى الامن؟ وهل سيتم تصديق مواطن على عنصر كان يقوم بمهمته ضمن اوقات خدمته؟ ثم من يضمن في حال اخذت الشكوى طريقها وتم معاقبة العنصر، الا يجعل هدفه "الانتقام" من الشخص الذي تسبب به بالعقوبة بممارسات غير قانونية لـ"تطبيق القانون"؟

ولكن، كوني لبناني وقد اعتدت على مواجهة الصعوبات القديمة والمستجدة منها، تشجعت وتجرأت ان اذهب بسيارتي الى العمل، ولكن قبل وصولي الى الباب تذكرت انني قد لا اجد مكاناً اركن فيه سيارتي علماً ان اصحاب المواقف "يتحكمون" بكل ما للكلمة من معنى بكل من يرغب في ركن سيارته ضمن حدود مواقفهم (ان من حيث التعرفة او من حيث الوقت)، ولا يجب ركن السيارة على الرصيف لانه مخصص للمشاة، ولا يجب الوقوف "صف ثان" لانه مخالف للقانون، ولا يمكن ازاحة الحجر او الكرسي الخشبي او العمود الذي يضعه مطلق اي شخص على الطريق العام لـ"يستولي" على المكان.

وامتنعت عن طلب سيارة اجرة لانه في حال نسي السائق مثلاً وجوب وضع "علبة إسعافات أولية لسيارات نقل الركاب بالاجرة تحدد مواصفاتها بقرار يصدر عن وزير الداخلية والبلديات" فقد يتعرض لمخالفة او اكثر واتأخر عن العمل.

لذلك، وتجنباً لكل هذه الامور، اتصلت بزميلي وتمنيت عليه ان يقلّني معه فنفكر سوياً بما يجب القيام به لمواجهة هذا الارهاب الجديد الذي بات يتربص بنا، علماً انه ووفق تجارب سابقة، قد لا يعيش قانون السير اكثر من شهرين او اكثر بقليل، لينضم الى باقي القوانين التي سبقته لكنه سيوقع حتماً عدداً لا بأس به من الضحايا "غير المدعومين".