لم تمض ساعات قليلة على إعلان إنتهاء عملية "​عاصفة الحزم​"، التي أعلنتها السعودية على ضوء التطورات التي حصلت في اليمن، حتى بدأ الحديث عن الأسباب التي دفعتها إلى أخذ هذا القرار، بالرغم من أن العملية لم تنجح في تحقيق الأهداف الأساسية التي وضعت لها، في حين كانت الجمهورية الإسلامية ال​إيران​ية أول المعلنين عن قرب إنتهائها، مع العلم أن من ضمن أهدافها محاربة تمدد نفوذ طهران في البلدان العربية.

هناك شبه إجماع على وجود تسوية سياسية تم العمل عليها في ظل الضربات الجوية، ساعدت على بلورتها دول مشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية من دون أن يكون لها السقف العالي نفسه، لكن هذا لا يعني الوصول إلى النهاية السعيدة، في ظل مخاوف يتم الحديث عنها من إنعكاس ما حصل على الأوضاع الداخلية في المملكة.

في هذا السياق، تفضل مصادر مراقبة البحث في تفاصيل ما حصل، إنطلاقاً من الأهداف التي وضعت لهذه العملية، حيث ترى فشلاً كبيراً على هذا الصعيد، خصوصاً أن المطلوب كان بشكل أساسي عودة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى السلطة، وإجبار حركة "أنصار الله" على التراجع عن الإنجازات الميدانية التي حققتها. وفي حين لم يتحقق أي من الهدفين، لا يمكن تبرير التراجع عنهما، من وجهة نظر المصادر، إلا بالعجز أو الرضوخ لضغوط دولية فرضت الذهاب نحو حل سياسي، مع ترجيح الحل الثاني، خصوصاً أن الحديث عن تسوية تحفظ ماء وجه الرياض وحلفائها بدأ من أيام.

من هذا المنطلق، تشير المصادر المراقبة، عبر "النشرة"، إلى أمرين بارزين ينبغي التوقف عندهما، الأول يتعلق بالخلافات الداخلية بين دول مجلس التعاون الخليجي حول جدوى الإستمرار في "عاصفة الحزم"، لا سيما قطر والإمارات، مع العلم أن سلطنة عمان رفضت المشاركة منذ البداية، وتلفت إلى أن الكويت رغم مشاركتها كانت تسعى إلى لعب دور الوسيط، وهي تلقت أكثر من رسالة إيرانية مشجعة في هذا المجال، أبرزها من سفير الجمهورية الإسلامية لديها علي رضا عنايتي، الذي أكد في أكثر من مناسبة الرهان على حكمة أمير الكويت.

أما الثاني فيتعلق بالموقف الدولي، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، فعلى الرغم من صدور قرار واضح، تحت الفصل السابع، عن مجلس الأمن الدولي، لم تكن واشنطن، غير الراغبة في تطور الأحداث في المنطقة، لتقبل بوصول الأمور إلى مواجهة شاملة، لا سيما أن الأيام الأخيرة أثبتت أن مقاتلي تنظيم "القاعدة" هم المستفيدون من هذا الواقع، وقد ظهر ذلك فعلياً من خلال إستهداف مواقعهم من قبل الطائرات الأميركية مباشرة بعد إعلان وقف عملية "عاصفة الحزم".

في هذه المرحلة، قد يكون السؤال الأبرز هو عن مدى جدية الإعلان عن إنتهاء العملية، خصوصاً أن الغارات الجوية لا تزال قائمة، وما هو مستقبل الأوضاع في حال فشلت الإتصالات السياسية في الوصول إلى حل يرضي جميع الأفرقاء، لا سيما أن حركة "أنصار الله" ترفض أي مبادرة تكون الرياض هي الراعي الرسمي لها؟

بالنسبة إلى المصادر المراقبة، الخطر الأكبر، يكمن في ما حذر منه كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، أي الأوضاع الداخلية في السعودية، حيث تشير المعلومات والإحصاءات الرسمية وغير الرسمية إلى أن العدد الأبرز من المنتسبين إلى الجماعات الإرهابية هم من أبنائها، وبالتالي ماذا سيكون موقف هؤلاء بعد فشل حكومتهم في تحقيق الأهداف التي وعدت بها، وهل ستكون المنطقة أمام موجة جديدة من الحديث عن إحباط الذي يترجم في الذهاب نحو تبني الخيارات المتطرفة؟

مراقبة المواقف التي عبّر عنها الناشطون السعوديون على مواقع التواصل الإجتماعي، بعد الإعلان الرسمي، كانت مؤشراً خطيراً، وكان واضحاً الحديث عن الفشل والتورط في اليمن، ما يعني فعلياً أن الرياض ستكون أمام مشكلة مواجهة الرأي العام بالحقائق، خصوصاً أن الأموال الطائلة التي تنفقها على الحلفاء لم تدفعهم إلى مشاركتها في أهدافها عبر إرسال قوات برية، والعهد الجديد، الذي ولد بعد وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز وتسلم الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة، إصطدم بهذه الأزمة التي بدل أن تكون عاملاً داعماً له أصبحت حجر عثرة في إنطلاقته، ما قد يؤدي إلى تداعيات على المستوى الداخلي.

في المحصلة، ستكشف الأيام المقبلة عن تطورات مهمة على صعيد المنطقة، فهل تكون الأحداث اليمنية بوابة الحلول السلمية لأزمات أخرى أم تفتح الباب أمام أزمات جديدة؟