ما الذي يجعل الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل صامدا رغم الاهتزازات الكبيرة التي احدثتها حرب اليمن وتداعياتها على الساحة الداخلية لا سيما بين الطرفين المذكورين؟

وما الذي يدفع الرئيس نبيه بري الى بذل المزيد من الجهود لاستمرار هذا الحوار رغم المشاكسات والمضايقات التي تعرض لها منذ ما قبل الجلسة الاولى وحتى اليوم؟

لا شك ان هناك ارادة داخلية تحمي حوار عين التينة من النكسات التي تعرض ويتعرض لها، لكن العامل الاساسي لتحصينه هو القرار الدولي والاقليمي وتقاطع الدول المؤثرة على استمراره ولو لتحقيق الحد الادنى من النجاح والخطوات.

تقول المعلومات ان طهران، التي ابلغت الرئيس بري مؤخرا استمرار دعمها للحوار، بادرت في الوقت نفسه الى تشجيع وحث «حزب الله» على متابعة الجلسات مع تيار المستقبل، رغم ما تعرض له من حملات وهجمات مؤكدة على ان دعمها لكل ما يساهم في الاستقرار العام في البلاد.

وعلى وقع عملية «عاصفة الحزم» وتداعياتها من تصاعد الحرب الكلامية وبين «حزب الله» والمستقبل نشط المتضررون من الحوار في داخل وخارج التيار الازرق للضغط على الرئيس الحريري من اجل تجميد الحوار بحسب مصادر متابعة حتى جلاء الموقف، غير انه لم يقتنع بسلوك هذا النهج، وفضل مراجعة القيادة السعودية للتشاور في كل المستجدات لا سيما في التصعيد الكبير الذي تميزت به خطابات ومواقف الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله، والتي طاولت المملكة، لكن الجواب كان غير ما توقعه «الصقور» لا بل ان المسؤولين السعوديين اوصوا باستمرار الحوار، لكنهم ارفقوا ذلك بتشجيع رئيس «المستقبل» على تصعيد اللهجة بدوره ردا على خطاب السيد نصر الله وزيادة وتيرة الانتقادات لايران وسياساتها في المنطقة ويبدو ان القيادة السعودية الجديدة التي كانت تتخذ في البداية موقفا «باردا» من الحريري وتؤخر موعد زيارته للملك سلمان، قد ارتاحت من مواقفه الاخيرة المدافعة عن المملكة وعملية «عاصفة الحزم» وكافأته على حد قول المصادر، بتحديد هذا الموعد واستقباله بحرارة بحضور اركان القيادة السياسية الجديدة.

وفي هذا اللقاء، نجح الحريري في تحسين موقعه لدى المملكة والملك، بعد ان كان قد اصيب بنوع من الاهتزاز سابقا، واخذ ضوءا اخضر في الاستمرار بالحوار مع الحزب رغم كل ما جرى، مع التأكيد ايضا على انه المرجعية الاولى في لبنان لدى المملكة.

كما اخذ جرعة من الدعم تضيف المصادر للعب دوره ليس على مستوى الساحة اللبنانية بل ايضا على مستوى علاقاته مع الخارج، حيث كانت زيارته للولايات المتحدة الاميركية جزءا من المساحة التي اعطتها المملكة له في اطار دعم كل ما يصب بنهجها وسياستها في المنطقة وفي لبنان.

وتبدي اوساط قريبة من الحريري ارتياحها لاجواء هذا اللقاء الذي تعتبره تكريسا لموقعه ودوره الذي يلعبه في لبنان وعلى مستوى العلاقات والاتصالات مع بعض الدول العربية ومع فرنسا والولايات المتحدة الاميركية.

ومما لا شك فيه ان توقيت لقاء الملك سلمان قبل زيارته لواشنطن عززت من ثقة الحريري بما قام ويقوم به من تحرك مؤخراً، وزادت رصيده اكان على مستوى ضبطه وعلاقاته مع الحلفاء في لبنان وداخل بيت المستقبل، او على مستوى علاقاته مع الخارج.

وهذا الرصيد جعله ايضاً يتصرف خلال لقاءاته مع المسؤولين الاميركيين على اساس انه «المفوض اللبناني الاول» من قبل المملكة، ليدلي بما لديه اكان بالنسبة للوضع اللبناني او للتطورات والتداعيات السورية على لبنان.

وكما هو متوقع فقد عبرت الادارة الاميركية على لسان وزير الخارجية عن استمرار تأييدها للحوار بين المستقبل و«حزب الله» انطلاقاً مما اكد عليه الوزير كيري في اللقاء لجهة استمرار التزام الولايات المتحدة باستقرار وأمن لبنان.

لا بل ان كيري شدد على «إبعاد تأثير داعش والنصرة» عن الوضع في لبنان وجواره في اشارة واضحة على دعم سياسة مواجهة هذين التنظيمين الارهابيين بكل الوسائل. ويعني ذلك بطبيعة الحال مساندة الجيش اللبناني والقوى الامنية في المعركة ضد التنظيمين المذكورين، والقيام بكل الخطوات السياسية التي تدعم هذه المعركة ومنها بطبيعة الحال الحوار الجاري في عين التينة والذي يشكل غطاء مهماً وتحصينا اساسياً لهذه المعركة.

اما كلام الحريري خارج اللقاء عن تطبيق تجربة «عاصفة الحزم» ضد سوريا فهو يندرج في اطار «التحريك السياسي» على الطريقة اللبنانية لان مثل هذا الموقف ينطبق عليه المثل اللبناني «يطعمك الحجّ والناس راجعة»، خصوصاً بعد اعلان السعودية على انتهاء هذه العاصفة على اليمن والبدء في التفتيش عن مخرج للازمة اليمنية.

اما الاسباب التي تجعل الرئىس بري يبذل المزيد من الجهد لحماية الحوار فهي:

ـ اولا: قناعته بأن لا سبيل آخر لتدعيم الاستقرار العام الا بتعزيز المناخ السياسي واستمرار سياسة الابواب المفتوحة بين الاطراف اللبنانية كافة.

ـ ثانياً: النتائج الايجابية التي حققها الحوار على الصعيد الامني رغم كل التشويش والتصعيد الذي واكبه.

ثالثاً: قناعة كل الاطراف بما في ذلك حزب الله و«المستقبل» بأن الحوار يساهم في نزع فتائل الفتنة في البلاد.