رئيس مجلس النواب نبيه بري ليس مرتاحاً هذه الايام الى مواقف بعض القوى السياسية من القضايا المطروحة، اذ إنه يجِد في بعض هذه المواقف مزايدات رخيصة لا تسمن أصحابها ولا تغنيهم من جوع سياسي، ولا تؤمنهم من خوف مصطنع، وهم يعرفون مسبقاً انّ مكمن الداء هنا في الداخل وليس في الخارج.

يسخر برّي من المقولات التي تتحدث عن انتظارات لهذا الاستحقاق الخارجي او ذاك حتى يتمّ إنجاز الاستحقاقات اللبنانية الداخلية، فمثل هذه الانتظارات ستطول كثيراً، وبالتالي لا مصلحة للبنان بتعليق مصيره على حبالها، فإذا صدقت النيّات ليس هناك أسهل من التوافق على توفير المعالجات اللازمة لهذه الاستقحاقات، بدءاً من انتخابات رئاسة الجمهورية.

صحيح انّ الانفراجات في الأزمات الاقليمية، إذا حصلت، من شأنها ان تنعكس ايجاباً على لبنان، ولكنها لن توفر حلولاً لمشكلاته وأزماته واستحقاقاته ما لم يحصل توافق داخلي على هذه الحلول، فمَن ينتخب رئيس الجمهورية هو مجلس النواب اللبناني وليس القوى الاقليمية والدولية مهما كان تأثيرها في الساحة اللبنانية، فهذه القوى ربما تُبدي رأياً وموقفاً في هذا الاستحقاق او ذاك، ولكنها لا تستطيع ان تحلّ مكان اللبنانيين في طريقة إنجاز استحقاقاتهم، حتى على مستوى انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، لا تستطيع القوى الخارجية أن تفرض على اللبنانيين مرشّحاً محدداً للرئاسة، ولكنها يمكن ان تزكّي إسماً او اكثر من بين مجموعة اسماء تكون القوى السياسية قد توافقت عليها وادركت أنّ في انتخاب ايّ منها مصلحة حيوية للبنان واللبنانيين.

لقد دعا برّي الى 22 جلسة نيابية لانتخاب رئيس الجمهورية منذ 24 آذار 2014 وحتى اليوم، انعقدت واحدة منها بنصاب دستوري ولم يفز فيها أيّ مرشح للرئاسة. ومنذ ذلك الحين تتكرر الدعوات الى جلسات الانتخاب ولكنها لا تنعقد لعدم توافر نصاب أكثرية الثلثين النيابية (86 نائباً من أصل 128 نائباً)، والسبب انّ القوى السياسية لم تتوافق بعد على مرشح للرئاسة يشكّل قاسماً مشتركاً في ما بينها.

وعندما يقال لبري انّ البعض يرى انه في حال انطلاق الحوار اليمني ـ اليمني لإيجاد حل للأزمة اليمنية، فإنّ ذلك يمكن أن يساعد على انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، يردّ قائلاً: «المشكلة هي عندنا هنا في الداخل وليست في الخارج. ففي إمكاننا ان ننتخب رئيس الجمهورية اذا حزمنا أمرنا، ويجب علينا أن لا ننتظر الخارج».

ولا يفوت بري التوقّف عند تعطيل التشريع في مجلس النواب، ويُدرج مقاطعة البعض لهذا التشريع في اطار المزايدات نفسها الجارية حول الاستحقاق الرئاسي، ويشير الى انّ عدم انعقاد الجلسة التشريعية، التي أنجزَ وهيئة مكتب المجلس كل الترتيبات اللازمة لها من جدول أعمال وغيره قبل انتهاء العقد التشريعي العادي للمجلس في 31 أيار المقبل، ستكون له مجموعة مضاعفات:

أولى هذه المضاعفات هو انّ عدم انعقاد المجلس في خلال عقد تشريعي عادي له من دون أي مبررات قاهرة يوجب على رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية حلّه.

وثانيها انّ على جدول الاعمال مشروع يتعلق بتدريب عسكريين على الأسلحة الفرنسية التي بدأ الجيش اللبناني يتلقّاها من ضمن هبة الاربعة مليارات من الدولارات السعودية. ويقول بري في هذا المجال إن وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان «أبلغَ إليّ انهم لن يرسلوا انواعاً من الاسلحة الى لبنان اذا لم يتمّ تدريب عسكريين على استعمالها، وهناك قانون على جدول اعمال مجلس النواب لهذا الغرض».

وثالث المضاعفات أنّ هناك مشروع قانون آخر على جدول اعمال الجلسة النيابية يتعلّق بقرض قدّمه البنك الدولي لرَيّ بيروت من سَد بسري، إذ لأوّل مرة يقدّم البنك الدولي قرضاً للبنان يشمل الاستملاكات وليس تنفيذ المشروع فقط، فإذا لم يقرّ هذا القرض في مجلس النواب قريباً فإنّ البنك سيلغيه. والى ذلك هناك مشاريع قوانين حيوية أخرى يجب إقرارها، منها مشروع قانون الايجارات الذي أنهت اللجان النيابية درسه.

ويقول بري بامتعاض واستياء شديدين: «لقد عطّلوا التشريع عند استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بذريعة عدم جوازه في ظل هذه الاستقالة. ثم بعد التمديد الأول للمجلس عام 2013 قالوا انه لا يجوز التشريع في ظلّ عدم انتخاب رئيس الجمهورية.

وفي ظلّ التمديد الثاني الذي حصل في حزيران 2014 ها هم يعطّلون التشريع بالذريعة نفسها، مع العلم أنّ هناك حكومة تتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية وكالة، وانّ المجلس النيابي في هذه الحال بإمكانه التشريع في شكل طبيعي.