جولة وفد مجلس الأعمال والاستثمار في المملكة العربية السعودية، على المسؤولين السياسيين والروحيين اللبنانيين، هي في الواقع صرخة استغاثة لإنقاذ أكثر من ربع مليون لبناني مقيمين في المملكة، من هذا العبث السياسي الذي يُلحق أفدح الأضرار بالوطن المعذب، من دون أن يستطيع أن يُغيّر قيد أنملة، في مواقف وخيارات الأشقاء السعوديين.

ورغم الثقة الكبيرة بحكمة القيادة السعودية، وحرصها على الترفّع عن لعبة الفعل وردة الفعل، في التعاطي مع التهجمات الانفعالية الإيرانية على الساحة اللبنانية، بما فيها خطابات الأمين العام لحزب الله، إلا أن من حق اللبنانيين العاملين في السعودية، أن يشعروا بالقلق على لقمة عيشهم، وعلى عائلاتهم واستقرارهم، بل وعلى مصالحهم في المملكة، التي فتحت لهم أبواب العمل والطموح، وحققوا على أرضها النجاحات والثروات، في وقت كانت الفرص أمامهم، شبه معدومة في لبنان، لألف سبب وسبب!

السؤال الملحاح والمحيّر، الذي يواجهك فيه كل لبناني مقيم في دول الخليج العربي: أين مصلحة لبنان في مثل هذا التدخل السافر في أزمة اليمن؟

هل يُعقل أن تضحي جماعة صغيرة من اللبنانيين بمصلحة الوطن، وتُعرّض مئات الألوف من العائلات اللبنانية إلى التشرّد، وخسارة كل ما جنوه من مكانة ومصداقية، ومن مراكز ومسؤوليات، بسبب مواقف، أقل ما يمكن وصفها، بالمتهورة والمنفعلة، والبعيدة عن جادة الحكمة والصواب؟!

كيف يمكن أن يفاضل بعض اللبنانيين بين دولة، هي الشقيقة الكبرى التي ما تأخرت يوماً عن مدّ يد العون والمساعدة لبلدنا، في الملمات والأزمات، والتي آخرها هبة الثلاثة مليارات لتسليح وتجهيز الجيش اللبناني، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ المؤسسة العسكرية، فضلاً عن هبة المليار دولار للجيش والأجهزة الأمنية، للحصول على الاحتياجات العاجلة للتصدي للمنظمات الإرهابية، إثر معركة جرود عرسال في آب الماضي!

ما هي معايير المفاضلة بين الشقيقة الكبرى والدولة الايرانية، التي كان دورها دائماً ملتبساً، ليس في لبنان وحسب، بل وفي أكثر من بلد عربي، بسبب سياسة التمدّد، وتصدير الثورة بأشكال مختلفة، والتي كان آخرها إضفاء الطابع المذهبي على الخلافات والصراعات المحلية في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، بهدف إثارة العصبيات المذهبية، واستنفار الغرائز الجاهلية، وإعادة المجتمعات الإسلامية أكثر من ألف سنة إلى الوراء.

* * *

لم يُصدّق كثيرون من لبنانيي الخليج كيف استطاعوا «تمرير» قطوع مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية، وتجاوز تداعياتها السلبية عليهم، على مختلف المستويات...

ولكنهم سرعان ما وقعوا في شر هذا الخطاب الانفعالي في أزمة اليمن، والذي كان بمعظمه، مجموعة من التهجمات الشخصية على قيادة المملكة، مليكاً ورموزاً دينية ووطنية، الأمر الذي أثار غضباً ساطعاً في المجتمع السعودي، برزت أصداؤه بشكل واضح في الإعلام السعودي، الذي عبّر صراحة عن استياء السعوديين من حملات الافتراء التي تتعرّض لها بلادهم من بعض الأطراف السياسية في لبنان.

ولا يُخفي اللبنانيون حراجة مواقفهم وأوضاعهم تجاه إخوانهم الخليجيين، وخاصة الأشقاء السعوديين، الذين يعتبرون أن بعض اللبنانيين بادلوهم المحبة والترحيب، بالحقد والبغضاء، مسايرة لدولة كان دورها دائماً موضوع خلاف بين اللبنانيين، بسبب سياسة إثارة الحساسيات والنعرات التي تتبعها!

* * *

لا مشكلة عند اللبنانيين في بلاد الانتشار، ولا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي، من التعددية السياسية والحزبية في لبنان، والتي تعتبر من صلب النظام الديمقراطي، حيث يحق لكل طرف سياسي أن يتخذ من المواقف والخيارات ما يتناسب مع عقيدته وقناعات قادته وجمهوره، شرط أن يبقى التعبير عن تلك المواقف والخيارات، في إطار احترام الرأي الآخر، والاعتراف بحق التمايز والاختلاف عن الآخر، وطبعاً على خلفية الالتزام بآداب وأخلاق المخاطبة السياسية.

ولكن الإشكالية التي يتحمّل البلد أوزارها، ويدفع اللبنانيون المقيمون والمغتربون أثمانها الغالية، تكمن في الخطابات الانفعالية والتهجمات الشخصية التي تتعمّد التطاول على الكرامات، ولا تراعي الحرمات والمحرمات، فضلاً عن اعتبار الآخر، مهما كان حجمه أو موقعه، عميلاً وخائناً، لأنه لا ينسجم مع مواقف وخيارات حزبية ضيّقة!

ومن موقع الحرص على الشراكة في المواطنة وفي المصير، لا بدّ من القول إن السيّد حسن نصرالله لم يكن موفقاً في إطلالته الخطابية حول الأزمة اليمنية، لأن مساحة التهجمات الشخصية على العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وكبار المسؤولين السعوديين، احتلت معظم الخطاب، وتجاوزت حجم الكلام السياسي في الأزمة اليمنية.

رب قائل إن ضرورات التعبئة تتطلب ذلك، ولكن تعبئة ضد مَن، ولمصلحة مَن، وأين مقتضيات الحفاظ على ثوابتنا اللبنانية الوطنية، وعلى ضرورات التصدّي للفتنة المذهبية، وإلى جانب كل ذلك، حماية التواجد اللبناني في دول الخليج العربي؟

* * *

لقد استطاع اللبنانيون أن يُحيّدوا خلافاتهم عن الحرب السورية، وتجاوزوا قطوع الصراع على سوريا بأقل قدر ممكن من الخسائر..

فهل يتجاوزون تداعيات أزمة اليمن من دون كوارث؟