كلما زاد المأزق السعودي اتساعاً وانغمست المملكة في متاهات الازمات في سورية والعراق واليمن، يكسّر تيار المستقبل ورئيس كتلته الرئيس فؤاد السنيورة مزيداً من "الجرار" الداخلية. بالامس خرج السنيورة ليقول بالفم الملآن وللمرة الاولى بشكل علني وفي الاعلام ان "المستقبل" لا يرى في العماد ميشال عون مرشحاً توافقياً للرئاسة وبالتالي يرفض اليد التي كان مدها عون طوال عام ونصف العام. وهذه اليد الممدودة انتجت ما انتجته من مكاسب داخلية يبدو ان الاستفادة كانت للمستقبل اكثر منها للتيار الوطني الحر من الحكومة الى التعيينات الى تمرير بعض المشاريع المجلسية والخدماتية. ولعل السؤال البديهي الذي يطرحه اي سائل يتلخص حول نقطة اساسية: لماذا يختار المستقبل عبر السنيورة هذه اللحظة لكسر الجرة مع عون وقبلها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. وقد لا تكون الاجابة عصية او بعيدة فالسعودية قالت كلمتها في رفض العماد عون وترشحه الى الرئاسة واستعانت بالرئيس سعد الحريري أكثر من مرة تارة في لقاءات شخصية بين الحريري وعون وكان الرفض "مموهاً" وتارة اخرى عبر موفد مقرب من الحريري ابلغ عون رفضاً صريحاً بعيداً من الاعلام وعبر الاعلام اخيراً بموقف السنيورة. فمن وجهة نظر السعودية وفي عز الاشتباك مع ايران وحزب الله، لماذا يسهل المستقبل والسعودية الاستحقاق الرئاسي ويؤتى برئيس مقرب من حزب الله ويصب في القناة الايرانية المعادية لها؟ وما هي الفائدة التي ستجنيها واين هو الثمن المدفوع؟ بالتالي يصب موقف السنيورة من عون في خانة استمرار المستقبل بسياسة ربط النزاع ويعلق كل استحقاقات لبنان على شماعة ملفات المنطقة التي تتخبط فيها السعودية فيما الاجدى به ولو كان صاحب اجندة داخلية ومن دعاة تحييد لبنان وتحصين استقراره، ان يسهل الاستحقاقات و"يلبننها" لا ان يتصدى للدفاع عن العدوان السعودي ضد العزل في اليمن وتبييض صفحة القيادة السعودية الناصعة وقد لا تكفي كل اللقاءات والزيارات التضامنية مع سفيرها في لبنان لتؤكد صحة اقوال المستقبل او من يدور في فلكه.

الجرة الثانية التي كسرها السنيورة كانت مع الرئيس بري من خلال التمترس وراء الرفض المسيحي للتشريع في مجلس النواب تحت اي مسمى كان لتعذر وجود رئيس للجمهورية. وما احب هذه الحجة على قلب فؤاد السنيورة ليطوي صفحة الـ11 مليارا ولعبة الموازنات المفقودة وحاول كما حاول في المرات السابقة ان يدفن آثار هذه المليارات الى غير رجعة تارة عبر التمسك بربط سلسلة الرتب والرواتب بالموازنة وفذلكتها بزيادة الضرائب وإدخال "السموات بالقبوات" حتى لا تمنح الهيئات التعليمية وروابط الموظفين حقوقهم الكاملة وإفشالها عبر دس سم دفع زيادة الضريبة على القيمة المضافة بعسل تأمين الموارد من قطاعات منتجة ومربحة.

ومثلما فعل بالموازنة لاءم السنيورة ان لا يدعو الرئيس بري، ولن يدعو، الى جلسة غير ميثاقية بسبب المقاطعة المسيحية الكاملة بعد ان كان العماد عون تعهد في لقاء عين التينة الاخير بينهما بتأمين ميثاقية الجلسة التشريعية وفق جدول اعمال محدد وزاد عليه العونيون اخيراً ملف استعادة الجنسية للمغتربين وقانون الانتخاب بالاضافة الى البند المزمن والمتعلق بسلسلة الرتب والرواتب.

وكما قطع السنيورة شعرة معاوية مع عون لاسباب اقليمية والصراع بين ايران والسعودية، يتجه الى قطعها مع بري من منطلق داخلي وشخصي لتبييض صفحته وإخفاء آثار الـ11 مليارًا بينما يبقى الحوار بين المستقبل وحزب الله كمسمار جحا في طاولة عين التينة فتارة يرحب بالحوار ويؤكد اهميته ويتمسك به في الاروقة وعلى الطاولة يخرج من يأتمر بتوجيهات السنيورة من كتلته ليصعد ولا يبقي ولا يذر من اوصاف الا ويلصقها بحزب الله وايران.

إصرار حزب الله على تمرير الازمات الداخلية بأقل كلفة على الاستقرار وانتظام الحكومة ومجلس النواب وتسيير امور الناس لا يعني في المقابل ان السكوت امر ضروري وواجب في كل مرة خوفاً على الاستقرار ومصلحة البلاد كي لا يعتقد السنيورة او غيره في لبنان وخارجه ان السكوت من شيم الخائف وان الحرص على تجنب "المشكل الكبير" جبن وضعف!