ليس برّي “مراهقًا” في الشأن الدستوري حدّ تلويحه بحلّ مجلس النواب أمام “عناد” الأقطاب المسيحيين. كلّ كلمة يقولها الرجل يعي تبعاتها وإن أراد من خلالها توجيه بعض الرسائل القاسية الى من يعتبرهم “حلفاء” خذلوه حتى في “الانتشاء” في ممارسة دوره.

لا يخشى رئيس المجلس النيابي شيب رأسه بقدر ما لا يتقبّل فكرة “شلّ” مطرقته وتحجيم إطلالاته رئيسًا للبرلمان لا لحركة أمل، مقابل “ورديّة” حياة الرئيس تمام سلام التي ليست فعلاً ورديّة ولكن “ماشية” أقله لوعي الأطراف أهمية عدم تعطيل كلّ المؤسسات بما فيها تلك التي تحتضنهم جميعًا (الحكومة).

لا يفقد الأمل...

في السياسة لبرّي حساباتٌ جمّة تمامًا كما للوحدة المسيحيّة ضدّ جلسات التشريع “لغير الضرورة” حساباتُها. فالرجل “المصدوم” من أداء العماد ميشال عون، والذي يقرأ الكثيرون تفاعله على خطّ مقاطعة التشريع من باب مفاعيل حواره المنتظر مع القوات والعكس، يمتلك كلّ الأدوات الدستورية التي قد تجعله محقًا في طلبه، ولكن الظروف لا تحالفه وعلى رأسها غياب رأس الدولة الذي إليه وحده يُلجأ في حالةٍ مماثلة “ليحلّ ويربط”. ومع ذلك، برّي لا يفقد الأمل، ولعلّ في انتظاره حتى انتخاب الرئيس ليتقدّم بطلبه نوعًا من الصورة “الساتيرية” لا ركونًا الى جديته في طرحه أو عدمها، بل الى حقيقة أن انتظاره قد يطول إذا ما كان كلّ المسار الدستوري مرهونًا بوجود رئيس، وهو كذلك.

حلقة اليأس...

إذا ما أراد برّي أن يلعبها “نظيفة”، وليس في استطاعته سوى ذلك دستوريًا، عليه أن ينتظر الى حين انتخاب الرئيس الذي من شأنه أوتوماتيكيًا أن يُسقِط الحكومة ويدفع في اتجاه انتخاب حكومة جديدة، من دون أن يمسّ ذلك بمصير أرباب السلطة التشريعية المُمدِّدين لأنفسهم إلا في حال حصول طارئ من قبيل سقوط رئيس المجلس في حلقة اليأس بسبب مقاطعة جلساته وشلّ دوره ولجوئه الى الرصاصة الأخيرة التي من شأنها أن تحفظ له ماء وجهه. وفي حالة برّي تحديدًا قد تكون هذه الخطوة مجدية ليقينه مسبقًا بأنه سيعود بأريحية من دون أن “يتعركج” بمنافس جديّ إن وُجِد.

صلاحية محفوظة

يؤكد المرجع الدستوري والقانوني بول مرقص لـ “​صدى البلد​” أن الفقرة 4 من المادة 65 من الدستور تنصّ بوضوح على الحالة التي يجوز فيها حلّ مجلس النواب ويكون ذلك بطلب من رئيس الجمهورية بواسطة الحكومة التي تبادر الى إنفاذ هذا الطلب، وبسبب شغور سدّة الرئاسة فإن الحكومة الراهنة لا يمكن أن تمارس صلاحية الرئيس في طلب الحلّ لأن هذه الصلاحية هي من الصلاحيات المحفوظة للرئيس Domaine réservé. وفي حالة الرئيس نبيه برّي ما يلوّح به عبارة عن تمنٍّ سيرفعه الى رئيس الجمهورية لدى انتخابه، لا يكون بصيغة الطلب الرسمي بل التمني”.

مخالفة أخرى...

ولكن في أي حالاتٍ في العادة يمكن أن نشهد طلبًا بالحلّ من هذا القبيل؟ يجيب مرقص: “في حال امتنع مجلس النواب عن الانعقاد طوال عقد عادي وهذا ما يتحقّق فعلاً بعدم انعقاده راهنًا”. إذاً برّي محقٌّ بتلويحه دستوريًا؟ يتلقف مرقص: “نعم بما أن الشروط الموضوعية لهذا الطلب متوفرة باستثناء طلب الرئيس وموقف الحكومة”. ولكن قد تكون هناك أحقيّة أقوى في يد الأطراف المسيحيين المقاطعين لجهة الاعتكاف عن حضور الجلسات التشريعية خارج “الضرورة” كي لا يبدو وكأن غياب الرئيس كوجوده؟ يعلّق مرقص: “هذه المقاربة صحيحة ولكن مجلس النواب إذا لم يقع في هذه المخالفة إنما وقع في مخالفة أخرى هي للمادة 74 من الدستور التي تنصّ على التئامه حكمًا وفورًا بحكم القانون في حال شغور سدّة الرئاسة لأي سببٍ كان، والمادة 75 التي تُلزمه بالانعقاد للانتخاب وليس لأي أمر آخر بما فيه التشريع. أما تعبير “تشريع الضرورة” فهو تعبيرٌ هجين لا يستقيم دستوريًا، فإما أن المجلس يشرّع ويكون في حالةٍ تخوّله التشريع وهو ليس في هذه الحالة إذ إنه أصبح هيئة انتخابية لا اشتراعية بمقتضى المادة 75 من الدستور، وإما ألا يكون له هذا الحقّ، وليس هناك من تشريع يقع بين المنزلتين ويُسمّى تشريع الضرورة الذي ابتكره السياسيون”.

عاطل من العمل

إذا برّي، وبغضّ النظر عن جديّة خطوته، محقٌّ دستوريًا في تلويحه بحلّ المجلس إنما شروط تحقّق طلبه غير متوفرة. فلعبة الانعقاد باتت أشبه بلعبة “القطّ والفأر” غير المتوازنة، إذ لا يمل برّي من دعوة المجلس الى الانعقاد فلا يلبّيه النواب لا تشريعيًا ولا انتخابيًا. هذه هي نقطة القوّة التي يركن اليها سيّد عين التينة ليتجرأ على الحديث عن خيار “الحلّ” أو قلْ عن “الخيار- الحلّ” لعدم بقائه عاطلاً من العمل إلاّ من الزيارات التي تعيد اليه عنفوانه السياسي من باب المشورة.