العدوان السعودي على الشعب اليمني مستمر على رغم الإعلان عن توّقف عملية عاصفة الحزم التي لم تستطع أن تحقق شيئاً من الانجازات الفعلية، ومع ذلك يصر إعلام آل سعود على اعتبار ما حصل انتصاراً سيغير مجرى التاريخ العربي برمته! لكن الإعلام المذكور لا يبيّن لنا كيف سيتغير التاريخ العربي، أمِن خلال التنسيق الأمني السعودي «الإسرائيلي»؟ أو عبر إطلاق يد تنظيم «القاعدة» في اليمن؟ أو من خلال عصا أميركا السحرية؟ ولا علم لنا بأنّ التاريخ العربي حتى يتغير بنحو إيجابي يحتاج إلى إرهاب «القاعدة» والصهاينة والأميركان دفعة واحدة. ولا دراية لنا بأن التاريخ الجديد حتى يعبر إلى الزمن السعودي يحتاج إلى هؤلاء البسطاء الحفاة العراة الجياع في اليمن ليكونوا وقوده!

لقد ظل باب الانتصارات موصداً أمام أمراء النفط في السعودية دهراً طويلاً حتى جاء سلمان وابنه وقد ثملا بخمر القوة والاستعلاء، ووجدا أنّ الفرصة متاحة لاستعادة القوة وبسط الهيمنة عن طريق القتل والوحشية وإغراق الجزيرة العربية بالدم من دون أن يدركا تماماً أي معان وتداعيات تنطوي عليها هذه العملية الحمقاء. والناس العرب الأعراب يغلقون عيونهم وعقولهم على بشاعة ما اقترفته اليد السعودية. فيكفي أن يروّج الإعلام السعودي أنّ الحرب هي من أجل الأمن القومي العربي أو ضد النفوذ الإيراني أو لحماية الحرمين الشريفين أو من أجل بيضة الدين حتى يصبح قتل الأطفال وقطع الإمدادات الغذائية والعلاجية والتعاون مع الكيان «الإسرائيلي» من الواجبات والفرائض التي يُتقرب بها إلى الله!

ولا شيء أحب إلى المملكة وأمرائها من تحميل إيران كل مسؤولية. فهذا يفيد في الحشد والتعبئة وتضليل الرأي العام العربي والإسلامي وتهيئته ليقبل سفك الدم الحرام وهتك العرض الحرام. والحق إنّه منذ بداية العدوان السعودي على اليمن، سارعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية للتوسط لإيجاد حل سلمي للأزمة، وقدمت مبادرة تتضمن وقفاً فورياً للنار وإرسال مساعدات إنسانية عاجلة للمتضررين من الحرب وإطلاق حوار يمني يمني وتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة بمشاركة كل القوى اليمنية.

وهي إنما فعلت ذلك لإيمانها الشديد أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة المتوترة من دون الحوار والعقلانية والمنطق، لأن أي توتر من شأنه أن يدفع الخلافات البسيطة إلى حرب إقليمية مدمرة. ولكن الصد السعودي جاء سريعاً، إذ لم يكن هيّناً على الرؤوس الحامية في مملكة آل السعود بعد هذا الكم الهائل من الغارات الجوية وهذا الاستعراض الإعلامي أن يصلوا إلى نتيجة مخيبة لآمالهم ويشاهدوا فشل القيادة العسكرية في تحقيق أي إنجاز سياسي أو ميداني. فلا الرئيس اليمني الهارب عاد إلى اليمن ولا الشرعية المزعومة تمت حمايتها، ولا عادت حكومة عبد ربه منصور هادي لتمارس صلاحياتها، ولا الحوثيون انسحبوا من صنعاء، ولا استطاعت المليشيات الموالية للسعودية من استعادة عدن.

فالمحصلة أن «عاصفة الحزم» أخفقت في تحقيق ولو إنجاز واحد، اللهم إلا قتل المدنيين وتدمير البنى التحتية وتجويع الناس وحرمانهم من أبسط شؤون العيش والاستشفاء.

فمَن أغوى آل سعود على هذه الحماقة وقال لهم إنّ بإمكانكم أن تحتلوا اليمن بساعات وأن تعيدوه إلى حظيرتكم؟

من قال لهم إنّ بمقدوركم من خلال العدوان أن تستعيدوا هيبة مفقودة ودوراً ضائعاً؟

من قال لهم إنّ الشعب اليمني سيتمزق مع أول ضربة جوية وسينقم على الحوثيين ويتوجه لمعاونة السعوديين على عدوانهم؟

من قال لهم إنّ إيران ستتورط سريعاً وستنزلق إلى حرب تنتهي معها مفاعيل وآثار الاتفاق النووي؟ من قال لهم إنّ العرب سيقفون إلى جانبهم وسيحركون جيوشهم لغزو اليمن كرمى لأحقاد بعض الأمراء الطامحين والمنافسين على السلطة؟

لقد ظن السعوديون أنّ باستطاعة القوة الفظة أن تعيدهم إلى الخريطة الإقليمية فتُحدث بذلك توازناً استراتيجياً في وجه إيران، لكن تبيّن بعد شهر من العدوان سذاجة آل سعود وغباؤهم. وبالتالي لا مناص من ردّ يمني قادم إذا ما استمر العدوان، فاليمنيون ما زالوا يراهنون على بعض الدول العاقلة لتهدئة الجنون السعودي ولكن ليس لوقت طويل. فالرد الآتي سيكون فحصاً حقيقياً ليس للسعوديين فحسب بل لكل منطقة الجزيرة العربية وملوكها وأمرائها الذين يقفون اليوم على حافة الهاوية، هاوية السقوط والفناء. ويكفي أن نتأمل بالرسائل التي وجهها أوباما مؤخراً لملوك الخليج، ونقف عند بعض الخلافات بين الأجنحة الحاكمة في السعودية لندرك تماماً أي مصير ينتظر هذه المملكة!