مَن يعرف ما هو الإسم الحقيقي لوسط بيروت؟

هل هو ساحة البرج؟

هل هو ساحة الشهداء؟

هل هو البلد؟

هل هو وسط بيروت؟

***

لا أحد يملك جواباً واحداً، فكلُّ إنسان يُسمّيه كما يحلو له، وكما النوستالجيا تقوده، فجيلُ ما قبل الحرب وجيل الحرب يعرفه بأنَّه البلد وساحة البرج، وكلُّ التسميات صحيحة إذا أحبَّها الناس وإذا اعتادوا عليها، بصرف النظر عما إذا كان هناك مرسومٌ بالتسمية أو لم يكن هناك مرسوم.

***

بهذا المعنى فإنَّ ما ينطبق على العاصمة ينطبق على سائر المناطق، ولا سيما منها تلك القريبة من العاصمة. فمَن يعرف مستديرة الحازمية بغير مستديرة الصياد، حتى ولو جاء مَن يسميها بألف إسمٍ غير هذا الإسم؟

ومَن يعرف الأوتوستراد الممتد من المستديرة وصولاً إلى ثكنة الفياضية بغير جادة الجيش اللبناني، حتى ولو بُدِّلت بإسم الرئيس السابق ميشال سليمان؟

صحيح أنَّ لا مرسوم بتسميتها بجادة الجيش اللبناني، ولكن هل التسمية بإسم الجيش تحتاج إلى مرسوم؟

حين يصبح الإسم أكبر من المرسوم فما نفع المرسوم؟

***

نقول هذا الكلام لأنَّ بوجهة نظرنا شحطة قلم والأدق شطحة قلم، قادرة على تغيير مسمَّى معمَّد بالدماء والعرق والجهد والتعب. سمُّوا الجادة ما شئتم من تسميات، فهي كانت منذ البدء جادة الجيش اللبناني، حفرت على صخرة بدم شهداء الجيش آنذاك، وحين بدأ مشروع الجادة، قام المتعهد سروجي بنقل الحجز بكل أمانة إلى وزارة الدفاع، وستبقى جادة الجيش اللبناني، ولن ينفع في تغييرها مرسوم صدر ترغيباً، فليست بالتسميات الرسمية تُعرَف الشوارع بل بما يعتاد الناس على تسميتها فيها.

***

ثم إذا كان هناك مَن يخشون أن ينساهم الناس فليس بتسميات الشوارع والجادَّات يبقون في الذاكرة. لقد تأخروا فللناس ذاكرة:

فلا الأعمال ولا الإنجازات تشفع، ولا الأداء يُعوِّض، لقد مرّ العهد والناس يتذكّرون كلَّ شيء ولم يعد هناك شيء خارج إطار الذاكرة، وليس بالإمكان التعويض عن كلِّ هذه الفراغات باختزالها بمسمَّى بطول كيلومتر أو أقل، فهو خارج دائرة التقييم الحقيقي للأوضاع.

***

التسميات الحقيقية هي تلك الموجودة في القلوب وليس في الشوارع، وعلى الألسن وليس في المراسيم، ويبن الناس وليس داخل الجدران الأربعة.

إنّها معاندة التاريخ، ومعاندة الجغرافيا. التاريخ يعرفه الناس جيِّداً وليسوا بحاجةٍ إلى مَن يعلمهم إياه، والجغرافيا، أي جغرافيا الجادَّات والطرقات، معروفة من الجميع وليست بحاجةٍ إلى تذكير، وعليه فإنَّ المطلوب القليل من الواقعية والكثير من التواضع... خاصة عندما يتعلق الأمر بمعنويات الجيش اللبناني الذي قدم ويقدم وسيقدم كلَّ التضحية حتى بأرواح بواسل الشباب منه. فكونوا واقعيين وأعيدوا للمؤسسة العسكرية حقَّها ولو في جادة فهذا أقل ما يمكن لإنسان أن يقدمه.