خلال السنوات الماضية وبعد النهضة العربية التي شهدتها المنطقة، انحسر نطاق سيطرة الحكومة السعودية، وشيئاً فشيئاً بدأت تفقد نفوذها الهشّ في مختلف البلدان العربية كلبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن.

في هكذا ظروف مريرة تعصف بالرياض، فإنّ هذه الحكومة، التي يمثلها اليوم الملك سلمان بن عبد العزيز وبعض المستشارين الشباب، تعرّضت لانتقادات لاذعة ووصفت بالضعف والهشاشة ولا سيما إزاء بعض منافسيها في منطقة الشرق الأوسط، فتذرّعت بحجج واهية وبادرت إلى شنّ هجمة مفاجئة ضد بلد عربي مسلم مسالم لا يمتلك مقومات الحروب الفتاكة المعاصرة لأنّه لا يمتلك الذهب الأسود الذي أصبح نقمة على بلدان المنطقة لدرجة أنّ البعض يعتبره (أفغانستان العرب).

وليس من المستبعد أن يكون الشعب اليمني ضحية لتصفية حسابات شخصية لأمراء السعودية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد أن أرعبهم انتشار فكر الثورة الإسلامية المناهض للصهيونية وتناميه يوماً بعد يوم وهو ما نوّه عليه الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.

والمثير للجدل تبرير الضربات الجوية التي دمرت البنى التحتية لليمن بكونها تأتي دفاعاً عن الديمقراطية وإحقاق حقوق الشعب اليمني، وهنا المفارقة في النظام الملكي، حيث أنّ التاريخ لم يسجل في صفحاته أيّ نمط من الانتخابات في بلاد الحجاز ولم يعرف الشعب يوماً معنى الحرية مطلقاً. وبكل تأكيد فإنّ ما قيل ليس سوى ذرّاً للرماد في العيون والأهداف المبيّتة غير ذلك تماماً، فمن جملتها تغيير موازين القوى على الساحة اليمنية لصالح القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي والتصدّي لتوسّع حركة أنصار الله المدعومة من الشعب والجيش، وتمهيد الأرضية المناسبة لشنّ هجوم برّي وفرض شروط التحالف الهشّ على الشعب اليمني وإعادة منصور هادي وحاشيته إلى السلطة، إلا أنّ الساحة اليمنية لا تتناغم مع هذه الأهداف بوجه عام.

ومن الأهداف الأخرى التي يؤكد عليها بعض الخبراء أنّ السعوديين يريدون بسط نفوذهم على البلدان العربية مهما كلّف الأمر وبالطبع فإنّ اليمن يحظى بأولوية في هذا المضمار لكونه يحتلّ مساحة استراتيجية هامة في جنوب الجزيرة العربية مما جعله فريسة سهلة.

ولو أردنا الحديث عن الطاعة العمياء للسعودية من قبل بلدان الخليج العربي الضعيفة، فالإنصاف يضطرّنا لأن نقلّل اللوم عليها لكونها لا تمتلك حولاً ولا قوّة أمام حكومة الرياض التي تعتبر نفسها صاحبة القرار النهائي في تحديد مصير هذه البلدان، لذا لا خيار لها سوى السير في التيار السعودي، ونستثني هنا حكومة عُمان التي أثبتت جدارتها وحافظت على ماء وجه شعبها أمام العالم بعد اتخاذها مواقف شجاعة ولم تنخرط في هذا التحالف الذي أزهق أرواح المسلمين الأبرياء لا لذنب ارتكبوه سوى أنّهم دعوا إلى حريتهم واستقلالهم فأصبحت هذه الحكومة كوسيط يدعو إلى إقرار السلام في المنطقة.

هناك سؤال يوجه إلى الشعوب التي التحق قادتها العسكريون في التحالف، فالضباط المصريون يعرفون جيداً ما هي عواقب الهجمات العسكرية التي تستهدف شعباً بذاته، وبكل تأكيد فإنّهم ما زالوا يتذكرون الهجوم على اليمن عام 1962 حين سقط عشرات الآلاف ضحية لقرارات سياسية.

وفي هذه الآونة بالتحديد فإنّ الساحة المصرية تشهد اضطرابات في بعض نواحيها وقوات الجيش منهمكة في صراعات داخلية ولا سيما في المناطق الحدودية التي تشهد نشاطات إرهابية تكفيرية، فهل باستطاعتها إقحام جيشها في الحرب اليمنيّة؟.

وفي كل يوم تطفو على الساحة تغييرات جديدة في المواقف حول الأزمات التي تعصف بالمنطقة، فمصر والإمارات على سبيل المثال تطالبان بالتدخل عسكرياً في ليبيا للقضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة هناك في حين أن قطر تدعمها بكل ما أوتيت من قوة كما أنّ الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أكد في القمة التي أقيمت حول هذا البلد على ضرورة حل الأزمة سياسياً تحت مظلة الأمم المتحدة، وهذه المواقف المتناقضة تثبت عدم مصداقية مواقف أعضاء التحالف.

أمّا استراتيجية الجيش المصري اليوم فهي واضحة إذ إنّها ترتكز على التصدي للإخوان المسلمين أينما حلّوا ونزلوا، ومع ذلك فقد انخرط اليوم تحت مظلة الائتلاف رغم أنّ السعوديين يستضيفون وبشكل علني قادة الإخوان على أراضيهم تحت مسمّى (حزب الإصلاح) وهو في الحقيقة حزب يبذل الغالي والنفيس بغية ترسيخ النفوذ السعودي في اليمن وضرب أنصار الله الداعين إلى استقلال شعبهم من أيّ وصاية خارجية.

وأمّا الإمارات فهي تعتبر الحوثيين أمراً واقعاً على الساحة اليمنية وكانت لها علاقات تقليدية معهم، لتتنصّل راهنًا من ذلك وكأنّها قد اصطفّت إلى جانب الإخوان المسلمين في اليمن رغم عدائها اللدود معهم.

الحديث عن تركيا هو من نوع آخر، فبعد الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران اتخذت حكومته مواقف متباينة بالكامل حيث في موقف أشبه بالخط الوسطي من الإخوان المسلمين.

بدورها باكستان وجّهت ضربة قاصمة لهذا الائتلاف الهش بعد أن انسحبت منه واتّخذت سياسات عقلانية برفضها المشاركة في ضرب الشعب اليمني حيث أكد نواز شريف على أنّ إسلام آباد ترغب بلعب دور الوسيط لحلحلة الأزمة اليمنية عن طريق الدبلوماسية ومنظمة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي إثر ضغوط كبيرة من قبل البرلمان الباكستاني.

وعلى المستوى الدولي فإنّ الكثير من المنظمات الدولية والضمائر الحية والآراء العامّة الحرّة ومختلف وسائل الإعلام تعاملت مع الأزمة اليمنية بإنسانية ومهنية واعتبرت أنّ زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي يحظى بشعبية ومحبة واسعة في العالم بأسره ولا سيما في اليمن ومنطقة الشرق الأوسط وهو اليوم يقف بوجه ظلم واعتداءات حكام بعض البلدان العربية ناهيك عن مواقفه الشجاعة ضدّ أميركا وإسرائيل.

في الخاتمة، لا يخفى على أحد أنّ حرب السلطة في اليمن هي حرب بين القبائل اليمنية، لذا لا بدّ من تحقيق اتفاق داخلي يمني يرضي جميع الأطراف المتناحرة ولا يمكن لأي فريق أن يفرض رأيه بالقوة.