يُدرك "حزب الله" تمامًا أنّ الوقت ليس مناسبًا على الاطلاق للسماح بـ"زعل" الجنرال، فكيف اذا وصل الأمر برئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون بالتلويح ولو بالشيفرة باستعداده لفسخ تحالفاته وفرط عقد الحكومة... مواقف دفعت الحزب المنهمك بمعاركه الاقليمية للاستنفار السياسي الداخلي لتلقف التطورات والسعي لارضاء الحليف المسيحي الأبرز الذي باتت "جمائله" اكثر من أن تُعد أو تُحصى.

ولم يكن لقاء عون بالأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الا تتويجا لساعات طويلة من التواصل أفضت الى اتفاق واضح وصريح يلتزم فيه "حزب الله" خوض معركة التمديد لقادة الاجهزة الأمنية مع عون والاستمرار بدعمه حتى النهاية بالموضوع الرئاسي.

لم يكن عون ملزمًا بتقديم أي تنازلات بالمقابل، فالتهديدات العلنية كما تلك التي بقيت في الاقنية الداخلية بين التيار والحزب كانت كفيلة بتحقيق المكاسب المطلوبة. اذ تشير مصادر مطلعة إلى أنّ عون أبلغ "حزب الله" باستعداده اتباع "خطوات تصعيدية غير مسبوقة ومن دون النظر الى الوراء او استشارة أحد، فما قبل به على مضض لجهة التمديد لقائد الجيش في العام 2013 ولمجلس النواب الصيف الماضي لن يقبل به اليوم بالسماح للتمديد مجددا لقهوجي حتى ولو اضطر لأن يخوض المعركة وحيدا".

ولم يتردد عون باعلان الكيان الحكومي أول المستهدفين بتصعيده على أن يحدد هو وبالوقت المناسب نوعية الأسلحة التي ستستخدم بعملية الاطاحة به. اذ لا يزال الجنرال مقتنعا بأن الحكومة الحالية ليست خشبة الخلاص ولا ضمانة الاستقرار بل هي المؤسسة التي تؤمن حاليا مصالح "تيار المستقبل" و"حزب الله" قبل أي فريق آخر، لذلك سعى للعب على الوتر الذي يثير الطرفين المتمسكين بها حتى النهاية. وقالت المصادر: "العماد عون أوصل للمعنيين رسالة مفادها بأن لا تسامح ولا تساهل هذه المرة في حال قرر الحلفاء احراجه مجدّدًا أمام قاعدته الشعبية لاظهاره بموقع غير القادر والراضخ للتمديد وللخروقات المتتالية للدستور، وهو الرافع لواء الاصلاح".

وبالرغم من أن عون مقتنع مئة بالمئة بتحالفه مع "حزب الله" خصوصًا بعد كل انجازات هذا التحالف وحرصه على استمراره، الا انّه يُدرك ايضا أنّه في المرحلة الراهنة غير مستفيد منه بخلاف الحزب الذي لم تأت له ورقة التفاهم الا بالمكاسب والأرباح وخاصة الاستراتيجية منها. فكل خطوة يخطوها الحزب اليوم الذي آثر اخيرا اعلان امتداده الى العراق واليمن بعد سوريا، يقوم بها وبكل ثقة طالما هو مسلّح بغطاء مسيحي يؤمنه له التكتل المسيحي الاكبر في المنطقة ما يعطي لحركته زخما ونوعا من الشرعية.

ولا يبدو الجنرال آبهًا بعلاقته بباقي حلفائه وبالتحديد رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية اللذين لم يبذلا أي جهد يُذكر لمحاولة الوقوف على خاطره. ويعتبر عون أنّه طالما رأس الحربة في قوى "8 آذار" أي "حزب الله" في صفّه، فذلك يدفع تلقائيًا بقية الاطراف الى اعادة حساباتها وتصويب مواقفها.

بالمحصلة، يظهر جليا أن رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" أتقن استخدام اوراق القوة التي بين يديه والتي ليس بصدد وضعها في الجيب مجدّدًا... فهو اذا لم يلعبها اليوم قد يداهمه الوقت، فلا يلعبها ابدا.