بعد فشل مخطط العدوان على سورية في تحقيق أهدافه بسبب صمودها في المواجهة والمناورة، دخل العدوان في مرحلة مراجعة تظاهر فيها أصحابه بالتسليم بالعجز عن أسقاط سورية والنية للاتجاه إلى حل سياسي يعطيهم شيئا مما يطمحون به عبر تفاوض ما، يرون الحاجة قبله إلى تحقيق ما أسموه "إعادة التوزان " في الميدان.

ومن اجل "إعادة التوازن " اتخذت أميركا قرارها بتدريب وتسليح جماعات جديدة وطورت احتضانها ودعمها لجماعات إرهابية أخرى، بعد أن أطلقت عليهم تسمية " المعارضة السورية المعتدلة " لتستثمر الجميع في موجة عدوان جديدة وضعت خطتها التنفيذية بالاستناد إلى مثلث الجوار السوري (تركيا وإسرائيل والأردن)، خطة تمولها وتدعمها قطر والسعودية بالسلاح والأعلام بما يمكن من شن حرب نفسية مؤثرة.

وعملا بالخطة تلك جمع على الجبهة الجنوبية ما اسمي " الفيلق أو الجيش الأول " وعلى الجبهة الشمالية ما اسمي " جيش الفتح"، وشكلت جبهة النصرة العامود الفقري للتشكيلين. وأرادت أميركا من التسميات الجديدة إخفاء اسم "جبهة النصرة" وتجاوز صفتها الإرهابية باعتبارها الفرع السوري من تنظيم القاعدة المؤكدة صفته الإرهابية دوليا.

وفي المضمون يبدو أن الخطة الجديدة تختلف عن سابقاتها من الخطط في امرين أساسيين فرضتهما على ما نظن الضربات الموجعة التي وجهها استباقا الجيش العربي السوري وحلفاؤه والاستعدادات التي يتصاعد الحديث عنها في القلمون لتطهيره كليا من الإرهابيين، واستباقا لما سيكون عليه وضع المنطقة بعد توقيع الاتفاق الدولي حول الملف النووي الإيراني السلمي في أواخر حزيران المقبل، وهما:

- الأول يتعلق بخرائط الكيانات السياسية القائمة والاتجاه الجدي إلى التفتيت المنهج، خلافا لما كانت الخطط السابقة تعتمده من المحافظة على الكيانات القائمة وإخضاعها بكل ما فيها ومن فيها للقرار الأميركي وتحويل المنطقة بكياناتها القائمة تلك إلى مستعمرة أميركية واسعة لا صوت معارض أو مقاوم فيها.

- أما الثاني، فتمثل بالسعي لامتلاك السيطرة الحصرية على قطاع أو أكثر في سورية لإقامة ما تسميه أميركا المشهد المتوازن الذي يمكنها من المناورة على طاولة التفاوض.

أما في التنفيذ فكان اتجاه إلى إعادة الترويج لمخططات التقسيم السابقة تحت ستار الفدرالية أو المركزية الواسعة و التي هي اقرب منها للكونفدرالية بين كيانات شبه مكتملة الاستقلال عن بعضها ، و لأجل ذلك يطرح في الكونغرس الأمريكي الآن مشروع قانون التعامل المتعدد المسالك مع 3 كيانات عراقية شبه مستقلة ، و في الاطار ذاته السعي التركي بقيادة أميركية لامتلاك السيطرة التامة على قطاع واسع في الشمال الغربي السوري يمتد من ريف اللاذقية إلى ريف حلب لإعلانه بلغتهم منطقة محررة تدخل اليها حكومة ما يسمى "الائتلاف الوطني السوري" و تمهد لاحقا للاعتراف الغربي بها في ظل التشكيك بشرعية الحكومة السورية القائمة وفقا لمقتضيات دستور البلاد و الإرادة الشعبية المعبر عنها بالانتخابات الدستورية

ولان أميركا تتعلم أن الوقت لتنفيذ خطتها تلك لا يتسع بشكل يجعلها تتمهل، فإنها رفعت (بذاتها أو عبر اتباعها وحلفائها) من وتيرة التصعيد والعمل على شتى الاتجاهات بما في ذلك الحرب النفسية غير المسبوقة لاقتياد الخصم إلى الوهن المفضي للتسليم لها.

هذا ما يفسر ما قامت به جبهة العدوان على سورية مؤخرا من الدخول إلى إدلب وجسر الشغور، كما واستقبال باراك أوباما لرئيس الدمية السورية المسماة " ائتلاف وطني"، ثم تراجع أميركا عن مواقفها التي أطلقتها فبل أشهر على لسان أوباما وكيري وأقرت بموجبها بان موقع الرئيس الأسد يستعصي على التجاوز وانه جزء رئيسي من أي حل سياسي للازمة، لتعود فتقول بانه فقد الشرعية. ورغم أن سورية لا تكترث بما يقال عن الصفة التمثيلية أو المشروعية التي تتمتع بها هيئاتها الدستورية، ولا تقيم وزنا في الشأن ألا لقرار الشعب السوري وأرادته، فأننا نسوق هذه المواقف للدلالة على التقلب في الموقف الأميركي بما يناسب خطة العدوان الجديدة... هذا في الخطة فماذا عن إمكانات النجاح؟

يبدو جليا أن محور المقاومة حاضر الذهن والقدرات لمواجهة العدوان في تقلباته وخططه، وكما لم يخدع بسلوك المعتدي عندما هدأ زخمه، فان التهديد والتهويل لن يرهبه. ومن الواضح أن المحور أدرك الخطة الجديدة ووضع ما يناسبها في الميدان وفي السياسة من ردود تؤدي إلى إجهاضها كما أجهضت الخطط الثلاث السابقة بدءا بخطة الإخوان وانتهاءا بخطة الدواعش مرورا بخطة السعودية البندرية.

وفي الرد الأولي نجح محور المقاومة في احتواء الهجوم الميداني يشكل أدى إلى الإمساك بزمام المبادرة في الميدان ومنع استقرار الإرهابيين في المناطق التي دخلوها مؤخرا في منطقة الشمال الغربي تمهيدا لطردهم منها، عملاً باستراتيجية دفاعية تقضي بحرمان العدو من تحقيق حلمه في اقتطاع ارض يقيم عليها دويلة تنازع الحكومة الشرعية في دمشق مواقعها، وأن ما اعد لهذا الشأن بلغ حد الطمأـنينة الكاملة في النفوس إلى نجاح الرد السوري في إجهاض الحلم العدواني بالرد المعاكس المؤثر ميدانيا وعلى صعيد الحرب النفسية.

ومن جانب آخر يصر محور المقاومة ومن معه، على رفض مشروع تفتيت المنطقة واستعمارها رفضا ينبئ بان المشروع لن يمر لان المدافع يملك من القوة والعزيمة ما يتفوق به على المعتدي، خاصة بعد المتغيرات الأخيرة وما رفقها من قرارات تؤكد إدخال طاقات وقوى جديدة في الميدان كافية لإجهاض الخطة الأميركية الجديدة. ما يمكن محور المقاومة من التأكيد على قدرته على النصر كما أكدها في السابق. رغم قساوة المواجهة في الشهرين المقبلين لكنها ليست اقسى مما سبق.