"اتفق حزب ​القوات اللبنانية​ والتيار الوطني الحر على عدم حضور أي جلسة تشريعية لا يكون قانون الانتخابات الجديد وقانون استعادة الجنسية من أول المواضيع التي تطرح فيها، وقد أصبحنا قاب قوسين من قانون استعادة الجنسية الذي سيُسهل عليكم المعاملات الادارية الصعبة التي كانت تتطلبها عملية استعادة الجنسية".

بهذه الكلمات توجه رئيس "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ الى مستمعيه في سيدني عبر "السكايب". للكلمات مفعولها ودوافعها وطبعاً نتائجها، وليس من السهل تبيان كل هذه المعطيات دفعة واحدة، بل تحتاج الى وقت. ولكن هذا النص حمل معان سياسية لا يمكن الاستهانة بها ويجدر التوقف عندها، خصوصاً وانه اتى في ظل مرحلة سياسية يسير فيها المسؤولون على خيط رفيع لا يرغبون بالانزلاق او بالسقوط عنه.

بداية، اختار جعجع كلمة اتفاق، علماً ان الخلاف بين "القوات" و"التيار" هو سياسي بالدرجة الاولى باعتراف الطرفين، وان اقصى ما توصلا اليه في السابق كان يندرج ضمن خانة "التفاهم" لمصلحة مشتركة. ولكن الاتفاق قد يكون الاول في الفترة الجديدة التي اختار الفريقان اللجوء اليها، وبعد اشهر من الاتصالات والتشاور وتبادل الزيارات للموفدين و"الغزل" الكلامي، اطلق جعجع هذه الكلمة السحرية التي لم تكن مدرجة في القاموس السابق بينهما.

اذاً الاتفاق السياسي الاول تعلق اولاً بمجلس النواب، ولكن بدل ان يكون ضمن سياق الانتخابات الرئاسية التي يعتبرها الاثنان اولوية مطلقة، اتى في قالب التشريع والخلافات الدائرة حوله.

هذا الامر قد لا يرضي كثيراً رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قد يعتبر ان العماد ميشال عون غمز، من خلال هذا القرار، من قناة تسجيل موقف معارض لطرح رئيس المجلس، ورفع وتيرة التوتر السياسي بينهما بعد ان خففه الاخير بكلام معتدل منذ ايام.

ومن الطبيعي ان يكون عتب بري على عون اكبر منه على جعجع، وهو الذي يعتبر اقرب الى الخط السياسي للتيار، كما انه يرى في مثل هذه الخطوة تحدياً له كونه يأخذ موضوع انعقاد الجلسة التشريعية بصدره، وسيتصرف وكأنه هو المستهدف من هذا الاتفاق بالدرجة الاولى، فكيف سيرد؟ علماً ان الرد لن يكون حتماً بطريقة مباشرة ضد عون او جعجع، بل عبر مشاريع ومواضيع يؤيدها التيار والقوات.

الوجه الآخر للكلمات التي اعلنها جعجع، تطال بعض مؤيدي الفريقين، اذ بدت عبر اعلانها من قبل رئيس حزب "القوات" وفي اطلالة على انصاره في الخارج، وكأنها نقطة اكتسبها الحزب اذ "جذب" التيار الى موقفه في هذا الامر، وهو امر اقلق مناصري التيار الذين بدأوا بالتخوف من تقديم تنازلات، فيما تسرب القلق الى بعض انصار "القوات" من ان يكون هذا الاتفاق مقدمة لاتفاقات اخرى قد لا ترضيهم.

وفيما اسقط جعجع في كلامه مسألة قانون الانتخاب، بدا ان الصراع الحقيقي هو على كسب تعاطف اللبنانيين في الخارج، وكأنّ موقف جعجع من قانون استعادة الجنسية رد على الجولات المكوكية التي يقوم بها وزير الخارجية جبران باسيل على دول العالم وانفتاحه على الجاليات اللبنانية فيها، وجاء حديث رئيس "القوات اللبنانية" كبوابة الى هؤلاء للقول لهم انه ايضاً يهتم بهم ويتابع اوضاعهم.

بناء على كل ذلك، قد يبقى "مولود" الاتفاقات السياسية بين "القوات" و"التيار" وحيداً، لانه اتى ثمرة مواقف معينة لمواضيع وامور لن يتم بتّها بالسرعة العاجلة، ولكن ماذا سيكون الوضع عليه حين يتم التطرق الى امور يجب وضعها في خانة العاجل جدا على غرار تعيينات القادة الامنيين مثلاً؟ هنا، قد تتم العودة الى "التفاهمات" او قد ينفصل الاثنان بعد ان التقيا على درب رفض الجلسات التشريعية، فيكونا بذلك قد "حبوا بعضن وتركوا بعضن" على غرار اغنية السيدة فيروز.