القضية ليست قضية أدب الرحلات ولا قضية ديبلوماسية الطائرات ولا قضية حوار المناسبات انها قضية تداخل السياسة بالإعلام بالمال برجل مصرفي يدعي انه اكبر بكثير مما هو الا من حسابات الغير بحيث لا يعود واضحا أو مفهوما. ولماذا يجب ان يكون رجل المصرف هو المرافق الدائم في جميع اسفار مرجع ديني كبير بدل المؤرخين أو المتخصصين في شأن ملفات البحث؟

قبل شهر تقريبا، واكبنا كما واكب العالم مفاوضات لوزان النووية، تابعنا أسماء الوفود المرافقة فقرأنا أسماء تحمل القاب بروفسور في الفيزياء، دكتوراه دولة في العلاقات الدولية، دكتوراه في المعاهدات، وهذه الالقاب كانت من الجانبين.

وفي أي زيارات خارجية لرؤساء دول، اذا ما دققنا قليلاً في اعضاء الوفود فإننا لا نجد رؤساء مجلس إدارة لمصرف الا إذا كانت الزيارة متعلقة بعقد اتفاقات وصفقات تجارية تماماً بالنسبة مثلا الى زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لقطر بعد التوصل الى اتفاق لبيعها أكثر من عشرين طائرة حربية من نوع رافال.

***

هكذا الزيارات على مستوى المراجع الكبرى خاصة الدينية منها، تكون وفودها وفق طبيعة الزيارة، إلا في لبنان فإن الزيارات أياً تكن طبيعتها فإن لازمة من يدعون انهم من مؤسسي الوفد المرافق، باتت تضع علامات استفهام، ومن يدقق في الاسماء يكتشف فورا هذا المصرفي الذي يتحيَّن فرص سفر المراجع الكبيرة الروحية ليحاول ان يكون ظله. انه يحاول دائما ان يكون وكأنه الداعم بحيث لا لزوم لدعمه إذ لولا حسابات الوقف لكان في خبر كان.

***

أقل ما يقال في ما يجري أنه عيب. فالزيارات تكاد تنحرف عن أهدافها لتتحول الى الاهداف التي يضعها المصرفي لابراز كرمه وبذخه من هدفه اظهار انه السياسي المقبل المدلل، والكارثة الكبرى تظهر حين يكتشف المتابعون ان الكرم الذي يبديه ليس من نوع الكرم الحاتمي بل هو من الحجم المُذل باعتقاده لمصلحته المصرفية البحتة.

***

في زيارات حصلت أخيراً، طرأت تبديلات على موعد المرجع الروحي الكبير مع رئيس دولة غربية كان بزيارتها، الموعد الاول كان الاثنين قبل الظهر ثم أرجئ الى بعد الظهر، وكاد ان يلغى، الاّ ان تدخلات أدت الى موعد رابع في اليوم التالي.

مع كل هذه البلبلة، لم يكن هم المصرفي سوى اظهار كرمه الحاتمي بحفنة قليلة من الدولارات، علماً ان كثيرين منهم رفضوا هذا الاسلوب المقيت وأبلغوه ان مستلزمات رحلاتهم توفرها مؤسساتهم ولا حاجة له، والزيارة بدون وجوده لإستمرت ونجحت حتماً.

***

السؤال الذي طرحه بعض الاعلاميين هو: متى يُقلع هذا النوع من المصرفيين عن هذا الاسلوب؟ أليس الأجدر به ان يهتم بمصرفه الذي شهد أكثر من مرة مراحل صعود وهبوط؟

***

ان الاعلاميين لديها مؤسسات ترتب لها زياراتها ولديها من رجال الاختصاص ما يجعل محادثات هذه الاسفار ناجحة ومثمرة، فمتى يخرج حضرة المصرفي من لائحة هذه الأسفار ليترك الاعلام يعمل.

يشتري المال الكثير من الاشياء والمقتنيات لكنه لا يشتري أصحاب النفوس الكبيرة والذمم الناشطة والضمائر الحية، ومن قال لحضرة المصرفي العتيق ان ضمائر الناس وذممهم، كضمائر وذمم مصرفه؟ هل وصلت الرسالة؟