في الوقت الذي إنتشرت فيه الأنباء عن سعي "حزب الله" إلى شن هجوم واسع على المجموعات المسلحة في منطقة جبال القلمون السورية، كانت المفاجأة معاكسة من خلال إعلان تلك المجموعات عن فتحها المعركة تحت عنوان "الفتح المبين"، بعد أن عمدت قبل أيام قليلة إلى الكشف عن تشكيلها لتجمع جديد يحمل إسم "واعتصموا بحبل الله"، بهدف "تحرير" القرى والبلدات الواقعة على المقلب السوري من الحدود.

خلال اليومين الماضيين، حصلت المعركة المنتظرة منذ حديث الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله عنها، إفتراضياً، من خلال موجة واسعة من الشائعات مصدرها الجانبان، هدفها الأساس كان الضغط النفسي، إلا أن الهجوم الذي قامت به تلك المجموعات على بعض مواقع الحزب، بحسب ما أعلنت، طرح حوله علامات الإستفهام، فهل بادرت فعلاً إلى القيام بالخطوة الأولى؟

في أجواء المعارضة السورية المسلحة، حديث عن إستنساخ تجربة "جيش الفتح" في إدلب وجسر الشغور في القلمون الغربي، من خلال توحد الفصائل والكتائب المختلفة، باستثناء تنظيم "داعش"، تحت قيادة موحدة، خصوصاً أن التجربة هناك أثبتت نجاحها بعد تحقيق تقدم مهم، إلا أن المفارقة أن الدعم الخارجي، المتمثل بغرفة العمليات التركية، غير متوفر في الجبهة الحالية، مع العلم أن التحضيرات بدأت منذ وقت طويل، وهناك كميات من الأسلحة والذخيرة التي تم تخزينها من أجل اللحظة الحاسمة، والمعلومات المتوفرة تشير إلى وجود أسلحة متطورة تم الحصول عليها من معارك سابقة، منها صواريخ "كورنيت" و"ميلان" و" كونكورس".

في المقلب الآخر، الحديث عن حشد "حزب الله" المئات من المقاتلين لم يبدأ من اليوم، والإطلالة المرتبقة لأمينه العام السيّد حسن نصرالله من المتوقع أن تتطرق إلى هذا الموضوع، خصوصاً أن الجميع يدرك أن هذه المعركة قد يكون لها تداعيات كبرى على الأوضاع الداخلية اللبنانية، لا سيما إذا ما قررت المجموعات المسلحة الرد عبر فتح جبهة على الحدود الفاصلة بين لبنان وسوريا، أو إستغلال ورقة العسكريين المخطوفين منذ معركة عرسال الأولى، والحركة السياسية التي عمدت إلى تأمين أكبر تغطية سياسية ممكنة لها، لا سيما على صعيد حلفاء الحزب، من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، كانت مؤشراً مهماً لذلك، في ظل الإعتراضات التي تبديها قوى الرابع عشر من آذار، وتعبيرها عن مخاوفها من تورط جديد يدفع الجيش اللبناني هذه المرة ثمنه.

من وجهة نظر مصادر مطلعة على الأوضاع في المنطقة، المواجهة بدأت منذ مدة، ولو كانت بصورة غير مباشرة، من خلال سعي كل جهة إلى تحسين مواقعها الميدانية، إنطلاقاً من نظرية "القضم" العسكرية، خصوصاً أن المعطيات تؤكد بأن فتح معركة شاملة أمر غير مفضل من الجانبين، نظراً إلى طبيعة المنطقة أولاً، وتداعياتها السياسية والأمنية ثانياً، والإستعدادات التي حصلت من قبل جميع الأفرقاء ثالثاً، ما يعني أنها ستكون طويلة وقاسية، وقضاء أي جهة على الثانية بشكل حاسم أمر غير سهل.

وفي حين عمدت مكاتب الإعلام التابعة لقوى المعارضة إلى الترويج لفتحها المعركة على نطاق واسع، وإطلاق تهديدات واسعة على هذا الصعيد، ترى المصادر المطلعة، عبر "النشرة"، أن ذلك يؤكد وقوعها في "الفخ"، الذي نصب لها من خلال الحرب النفسية التي شنت عليها، حيث تعتبر أن "حزب الله" سيكون سعيداً فيما لو قامت بهذا الأمر، خصوصاً أنه سيكون بالمرحلة الأولى في موقع المدافع، في الوقت الذي ستضطر فيه هي إلى الكشف مكامن القوة التي لديها، لكنها ترى أن معالم حقيقة ما جرى فجر اليوم ستتكشف بشكل واضح خلال الساعات القليلة المقبلة، وتستبعد أن يكون ذلك بداية المعركة الكبرى.

أما بالنسبة إلى ما حصل في الساعات الماضية، فتوضح المصادر المطلعة أن المجموعات المسلحة، التي كانت تعيش قلق الهجوم الكبير عليها، أقدمت على إستغلال الضباب الذي كان يسيطر على أجواء المنطقة من أجل القيام بهجوم خاطف، وتشير إلى أنها ليست المرة الأولى التي تقوم بمثل هذه الخطوة، إلا أنها تلقت رداً موجعاً من العناصر المتمركزة في المواقع المستهدفة، وبالتالي فشلت في تحقيق الهدف الذي كانت تسعى إليه.

من ناحية أخرى، تعتبر مصادر أخرى، عبر "النشرة"، أن ما حصل قد يكون مقدّمة لما هو أكبر، خصوصاً إذا ما رأى فيه الحزب والجيش السوري مصلحة في فتح المعركة الكبرى، إلا أنّها ترفض الحسم في هذا المجال، وتشير إلى أن ذهاب المجموعات المسلحة إلى خيار المعركة الشاملة في الجانب السوري، كما تدعي، سيكون أمراً جيداً بالنسبة إلى القرى والبلدات اللبنانية الحدودية، لأنه سيعني من حيث المبدأ أنها ستكون بعيدة عن مسرح العمليات الفعلي، بالرغم من أن إحتمال توسعها لاحقاً لا يجب أن يخرج من الحسابات.

في المحصلة، قررت المجموعات المسلحة الترويج لبدء المعركة الكبرى، من خلال الهجوم الذي قامت به، ولكن هل تستمر فيه أم تتراجع ويكون مجرد رسالة ضمن الحرب النفسية لا أكثر؟

في الضفة المقابلة، هل سيجد "حزب الله" والجيش السوري أن الفرصة مناسبة لبدء المعركة من جانبهما أيضاً، أم أنهما سيفضلان أن يكونا صاحبي القرار بتحديد ساعة الصفر كي يستفيدا من عنصر المفاجأة؟