لماذا اشتدّت المواجهات السورية الميدانية الآن؟ سؤال يُطرَح في الأحاديث السياسية، معطوفاً على سؤال أهمّ: ماذا سيحصل؟

في الأسابيع الماضية تُرجمت الجهود الخليجية-التركية بجمع المجموعات المسلحة ضمن خطط موحدة، ما عدا تنظيم "داعش" بطبيعة الحال الذي بدا مشغولا بالعراق اكثر من اهتمامه بما يجري في شمال ووسط وجنوب سوريا. قد يكون اكتفى التنظيم بالرقة وجزء من دير الزور كإمتداد طبيعي لدولته في العراق.

توحدت الفصائل المقاتلة وجرى تزويدها بتقنيات حديثة وأسلحة متطورة. واكبت العمليات على الارض ماكينة إعلامية نظّمت تكتيك الحرب النفسية عبر ضخ الشائعات، تماماً كما جرى عام 2012. استفادت المجموعات من حالة الاسترخاء في صفوف النظام سياسياً وعسكرياً، بعدما جرى تحقيق استقرار نسبي في دمشق وحمص والساحل ومناطق أخرى ما بين عامي 2014 و2015. في المدة الاخيرة ركزت دمشق على مخاطبة الرأي العام الغربي أكثر من مخاطبة الداخل السوري. بدا ذلك من خلال مقابلات إعلامية أجراها الرئيس السوري بشار الاسد مع القنوات الأميركية والغربية، فيما غاب ظهور المسؤولين الحكوميين عن الشاشات العربية والسورية نسبياً.

شدّت المعارضة من قدرة مناصريها المسلحين مستفيدة من دعم خارجي نوعي. وضعت خطة الوصول الى مدن أساسية: حلب، ادلب، حماه وحمص، وحاولت تهديد الساحل بالصواريخ وفتح جبهات إضافية.

تدرك المعارضة ان بيئة ادلب وحماه لا تناهضها، خصوصا اذا استحضرنا تجربة المواجهة بين النظام والإخوان المسلمين في الثمانينات، لكن الأوضاع تختلف في حلب وحمص. لذلك اعتمد المسلحون استراتيجية التقدم الى ادلب ثم قرروا المتابعة الى حماه قبل ان يتدخل الجيش السوري ويوقف المد المسلح بعد جسر الشغور.

حمص هي هدف أساسي لاعتبارات عدة تنطلق من اهمية موقعها الجغرافي في الوسط ومكانتها في وصل سوريا ببعضها البعض، وخصوصا ما بين دمشق والساحل. حلب مطلب تركي، لكن الحلبييين ينبذون المسلحين ويتمسكون بالدولة السورية كما بدا خلال السنوات الاربع الماضية. من هنا جاء قرار محاصرة حلب للوصول الى استسلام اهلها والسيطرة على المدينة. معاقبة الشهباء تقوم على عناصر الحصار والاستهداف بالصواريخ ومنع وصول الكهرباء والماء وضرب سبل الحياة.

في الأشهر الماضية انتفضت حلب وأعادت بناء مصانع فيها رغم التدمير. لكن الأسابيع الماضية شهدت ترديا للأوضاع الاقتصادية والمعيشية في حلب وهو ما يخشاه السوريون من ان يؤدي الأمر بالمدينة الى سقوطها في ايدي المجموعات المسلحة.

لم تخف المجموعات غاية تهديد الساحل. الهدف ليس الدخول الى اللاذقية أو طرطوس، انما فتح جبهات تشغل الجيش، والاهم بحسب الخطة جذب العسكريين من أبناء الساحل الى مدنهم للدفاع عن أهلهم وترك جبهات القتال جنوبا وشرقا ووسطاً وشمالاً.

توزيع مهمات مدروسة ومتكاملة، فماذا في الجهة المقابلة؟

أدركت دمشق أن الأسابيع الجارية هي الأشد. وزعت وحداتها وباشرت حملاتها لإجهاض مخططات المسلحين. افتتح "حزب الله" اعلامياً جبهة القلمون لمنع تفرغ "جبهة النصرة" لأي معركة محيطة بدمشق. نفذ الجيش السوري اهم عملية عسكرية بقطع آخر طرق الإمداد الى الغوطة الشرقية في بلدة ميدعا. في الشكل والجوهر رسائل وجهها الجيش، خصوصا ان نجاح العملية يأتي بعد استعراض قائد "جيش الاسلام" زهران علوش لمسلحيه في الغوطة نفسها.

في الجنوب ثبّت الجيش السوري و"حزب الله" نقاط دفاع تمنع اي تقدم للمسلحين من أرياف درعا والقنيطرة نحو ريف دمشق.

الحرب مفتوحة. عادت موجة الانتحاريين، ما يعني ان التفجيرات واردة. كل ما يسبب إرباكاً سيمضي به المسلحون. لكن من دون ان تؤدي تلك المحطات الى تغيير جوهري.

فما سر الاندفاعة الميدانية؟

سوريا جزء اساس من نزاع إقليمي يحط في اليمن أيضاً. وطالما ان طهران تقدمت في دعمها للحوثيين، زادت الرياض وتركيا من دعمها للمجموعات السورية. كل ذلك يسبق التسويات السياسية المرتقبة ولو بعد حين. هناك من يخطط لسيطرة ميدانية تثبّت الأمر الواقع. تلك القاعدة طرحت حول اليمن وسوريا. الإيرانيون أيدوا حلا يمنيا يقوم على اساس الحوار دون تراجع الحوثيين عن مناطق وصلوا اليها. هذه القاعدة مطلوبة في سوريا تحضيراً لأي تسوية مطروحة يكون المسلحون واقعا فيها من خلال سيطرتهم على مناطق ومدن.

هناك من يذهب أبعد من ذلك لطرح التقسيم. لو كان انكفأ الجيش عن الشمال والشرق نهائيا، لكان الامر قابلاً للصرف. لكن قوات عسكرية لا زالت تقاتل في دير الزور وتحاول استعادة مناطق في الشمال ولا تتنازل عن حلب. ما يعني ان لا قبول بالتقسيم من جانب الاسد وحلفائه.

امام تلك المعطيات يمكن الوصول الى استنتاج ان لا تغيير جوهريا في سوريا. مسارها قائم على اساس المعارك الميدانية و مصيرها مرتبط بالتسوية الإقليمية. حتى الآن لم يحن بالتأكيد موعد التسويات بعد.