لم تتبلور بعد معادلة وصول «الأقوياء» الى الحكم في لبنان، رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، ورئيس تيار المستقبل الى رئاسة الحكومة. تخضع هذه المعادلة لفك الشِفرات السعودية للتسويات التي يبدو أنها ستتأخر في ظلّ الحديث عن طول أمد الفراغ الرئاسي. قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمام زواره منذ نحو أسبوع «ما حدا يحكيني بالرئاسة قبل سنتين أو ثلاث». ما يعيدنا بالذاكرة إلى دردشة النائب أحمد فتفت في إحدى الجلسات العامة في المجلس النيابي مع وزير التربية الياس بو صعب أنّ الحكومة باقية ثلاث سنوات.

وإلى أن تتضح معالم المشهد السياسي في المملكة بعد التعيينات الجديدة وانعكاسه على المشهد اللبناني، فإنّ الصراع داخل البيت «المستقبلي» سيبقى على أشدّه بين وزيري الداخلية نهاد المشنوق والعدل أشرف ريفي، اللذين يستغلان لمآربهما الشخصية خسارة الرئيس الحريري بإزاحة ولي العهد السابق الأمير مقرن بن عبدالعزيز، والذي حلّ محله ولي العهد الجديد محمد بن نايف، الرجل القوي والمدعوم أميركياً، والذي لا ودّ إطلاقاً بينه وبين الحريري.

كلّ ذلك دفع الحريري إلى اللجوء للعب الدور الذي كان والده الرئيس الراحل رفيق الحريري يؤدّيه في علاقته مع الدول الكبرى. يرغب الحريري في استرجاع المكانة التي كان يحظى بها في «حضن أسرته السابقة». يعمل على إظهار أنّ سياسته امتداد لسياسة والده. يتطلع الى استعادة دوره لكي تبقى له الوضعية نفسها التي كانت في عهد الملك عبدالله، وأن يبقى الممثل الحصري للطائفة السنّية في بيروت عند المملكة، فضلاً عن حلمه بالعودة إلى السراي الحكومية.

وفيما كانت عودة الحريري الى السراي شبه مستحيلة في الوقت الحاضر، فمن الطبيعي أن «يسنّ» الكثيرون داخل التيار الأزرق أسنانهم لاقتناص فرصة دخول السراي. يتسابق وزيرا العدل والداخلية على تقديم أوراق الاعتماد الى المعنيين لرئاسة الحكومة، ظناً منهما أنّ فرص وصول الجنرال عون الى القصر الرئاسي معدومة مع ما يعني ذلك من انعدام فرصة الحريري في العودة الى لبنان من بوابة السراي.

يُعتبر وزير العدل الخصم الأول والرئيس لوزير الداخلية في السراي وفي داخل تيار المستقبل، فعندما دخل ريفي الى الحكومة كان متقدّماً على المشنوق، إلا أنّ المسافة بينهما أصبحت شاسعة، بعد مضيّ عام على الحكومة السلامية، لمصلحة الوزير البيروتي، إلا أنّ ما يجمعهما الطموح في الوصول إلى رئاسة الحكومة، بغضّ النظر عن الأسلوب والأداء المختلف لكلّ منهما.

يلعب وزير الداخلية بذكاء على وتر خلاف الحريري – بن نايف.

يعلم المشنوق أنّ من يدعمه في الدوائر الغربية سيدعمه بوجود الحريري أو بعدم وجوده. الديبلوماسية الأميركية تعطي المشنوق وزناً سياسياً غير مرتبط بتيار المستقبل، ويشير أحد أعضاء الوفد الذي رافق المشنوق في زيارته الأميركية الأخيرة، إلى الاستقبال المميّز الذي لم يحظَ به أيّ وزير داخلية سابق.

يتقدّم وزير الداخلية على وزير العدل في عدائه لإيران، وفي علاقته القوية جداً بأجهزة الاستخبارات الإقليمية والعربية، وقدرته على التواصل مع المكوّنات السياسية بمختلف أطيافها، لأنه يدرك انّ طريق السراي يمرّ بالضاحية الجنوبية، وكذلك في تقديم نفسه كرجل دولة، لا سيما بعد ما قام به في سجن رومية. يملك المشنوق أوراقاً أقوى من الأوراق التي يملكها زميله «العدلي»، تؤهله أن يحلّ مكان الرئيس تمام سلام الذي يعلم أنّ حكومته شكّلت لإدارة الفراغ الرئاسي لمرحلة زمنية معينة.

وعلى عكس المشنوق، قاعدة الانطلاق عند ريفي إلى السراي تبدأ بتسعير العصبية المذهبية، وإظهار العداء العلني لحزب الله، فضلاً عن ورقة الاحتياط التي يملكها والتي قد يلجأ إلى استخدامها كلما سنحت له الفرصة والمتصلة بالتلاعب بالأمن في طرابلس في شكل خاص، فهو لا يخفي علاقته بقادة المحاور، على رغم أنّ بعض هؤلاء أودِع في السجن وقطعت علاقته به، ومنهم لا يزال متخفّياً عن الانظار، أضف إلى ذلك علاقته بالأمير بندر بن سلطان الذي كان الراعي الحصري للإرهابيين في لبنان وسورية، مع عرض ريفي نفسه على الاستخبارات الأميركية لتقديم الخدمات. كما انّ ريفي لا تربطه بفريق 8 آذار أيّة علاقة تذكر. الكيمياء مفقودة مع هذا الفريق والأجواء دائماً مكهربة، وهذا ما يجعل حظوظ تبوّئه رئاسة الحكومة معدومة.

وفي موازاة ذلك، تتخوّف مصادر سياسية من أن يستورد تيار المستقبل صراع العائلة المالكة في السعودية الى لبنان، وتلفت إلى الصراع بين المشنوق وريفي وتعتبره استمراراً للحرب المستعرّة داخل الأسرة الحاكمة، فوزير العدل تربطه علاقة جيدة جداً ببندر بن سلطان الذي خُلع من قبل الملك سلمان من الحكم، على عكس المشنوق الذي تجمعه بـ بن نايف الذي استطاع ان يحقق نجاحاً في مواجهة المجموعات الإرهابية صداقة متينة.