لا يسمع زائر واشنطن كلاما يدل على ان ثمة اهتمام ولو عادي بالملف اللبناني الموجود حاليا في الأدراج، اذ لا رغبة حاليا في تحريكه او إنعاشه طالما، انه يتأثر بتداعيات ازمة المنطقة وتحديدا بالصراع القائم بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين الجمهورية الإيرانية الاسلامية، وبوضوح لا تميل واشنطن لإظهاره ولا تريد ان تقارب الاستحقاق الرئاسي لئلا تقع في فخ استدراج العروض الإيرانية لها وتدخل في مقايضات لا تريدها حاليا، لذلك من الأفضل عدم تحريك الملف اللبناني بتناقضاته وتشعباته حاليا، طالما الاهتمامات الأولية موزعة بالتساوي على كل من اليمن، سوريا، المواجهة «الفاترة» لـ«داعش» في ظل التحضير للقاء الرئيس الأميركي باراك اوباما بقادة دول مجلس التعاون الخليجي في كامب ديفيد الذي يعقد بين 13و15ايار، سيما انه يجري على وقع عملية «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية في اليمن لمواجهة التمدد الإيراني على ارض الإقليم العربي، بحيث ان هذه الخطوة وفق حسابات السعودية على ما هو الكلام في واشنطن من شأنه ان يدفع بالرئيس اوباما الى فرملة اندفاعته تجاه ايران وعدم التساهل معها في الاتفاق النووي الغامض البنود حتى حينه، وكذلك لضبط تمددها في المنطقة، مستندا هذا الجانب العربي على التحرك العسكري «العربي -السني» الموحد الذي فرض واقعا جديدا على واشنطن التوقف أمامه وأخذه بعين الواقع، لا سيما ان دول مجلس التعاون هي في منظومة دول التحالف الى جانب واشنطن التي تقاتل «داعش».

ويفسر عدم الاهتمام الأميركي بالملف اللبناني من خلال عدم رغبة المسؤولين في الادارة الأميركية لقاء اي سياسي لبناني كما تسمع ولا سيما المعنيين مباشرة في الاستحقاق الرئاسي او ممن هم في فريق عملهم من الذين التقوا مسؤولين اميركيين بعد وصولهم الى واشنطن وإجراء اتصالات ولقاءات ميدانية غير مبرمجة سابقا كان لا بد منها لكونهم تواجدو في العاصمة الأميركية لعدة اسباب او مهام لها صلة بموقعهم السياسي، وقد جاءت زيارة رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري المطولة الى واشنطن في ظل القرار الأميركي هذا لتلقي الضوء على الملف اللبناني في ضوء عدم التعديل في الاولويات المبرمجة والمرتبطة بأزمات وصراعات المنطقة.

ولكن هذا الاهتمام البارد للملف اللبناني لدى واشنطن على ما يتبين للزائر لا يلغي دقة وعمق معرفة المسؤولين المتابعين لهذا الملف بأدق التفاصيل الى حد معرفة بعضهم بواقع «كل بلدية والاستقالات التي تشهدها»، الا ان الحرص الأميركي والاهتمام العالي بالمؤسسات العسكرية والأمنية على ما تعلن الولايات المتحدة ومسؤوليها في كافة اللقاءات وتترجمها بتقديم الدعم للجيش اللبناني، فان اتفاق الطائف يحصل على حيّز واقع من الاهتمام الأميركي عند كافة المسؤولين في لقاءاتهم المغلقة ام من خلال تلك المعلنة على ما جاء في كلمة نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى لوريس سيلفرمان في الذكرى العاشرة لثورة الأرز في الكونغرس اذ ان هذا الدبلوماسي شكل مؤخراً «محجا» لمعظم زوار واشنطن الهادفين لاستيضاح اخر تطورات الملف اللبناني ومصير الاستحقاق الرئاسي، اذ هي المرة الاولى التي يتم الإعلان بهذا الشكل عن دعم واشنطن للطائف في موازاة الرغبة بتعديله وطرح نظام سياسي جديد من قبل عدد من الفرقاء اللبنانيين في محور 8 اذار، الى جانب تكرارها بموقفها المطالب لمجلس النواب بانتخاب رئيس للجمهورية وتأكيد دعمها للقرارات الدولية.

اما فيما خص المسيحيين دورا وحضورا ومستقبلا على ما يتضح للزائر، فان ثمة امر أساسي قد تغير تجاه واقعهم على خلفية تفاقم الصراع المذهبي السني - الشيعي وذوبان هذه الشريحة في هذا المدى الكامن على بركان غير قابلة ناره للانحسار حاليا، لكون دينامية التطرف المذهبي لا يمكن ضبط تناميه في ظل غياب رؤية لمصير المنطقة تأتي نتاج تفاهم المحورين المذهبين المتصارعين بعنف، ولذلك فانه على المسيحيين في داخل لبنان وخارجه الصمود حتى انجلاء هذه الموجة من الصراع ومن التطرف وتداعياته على كل شعوبها من كافة الطوائف، فالمسيحيين والتنوع الذي يجدونه في المنطقة امر جيد و«ليس اكثر» ما يقال عنه، كما ان الحركة المسيحية اللبنانية الحوارية والضوضاء الناتجة عنها على اعتبار ان التفاهم على الرؤية الموحدة خطوة جيدة لصالحهم هو امر لا يصل حكما الى واشنطن ولا يشكل محور اهتمام لها اذ ان كل تفاهم بين اي أطراف عامل إيجابي، وهي كذلك لا تتوقف امام قوة الرئيس اللبناني مسيحيا ام سياسيا، متجاوزة بذلك هذا «السجال» الداخلي فرئيس البلاد هو رئيس المؤسسات وجميع الطوائف.

وعن دور حزب الله تسمع في واشنطن عملا بأسلوبها البراغماتي، انه فريق يمثل شريحة لبنانية وموقفها منه لم يتغّير ومصيره مرتبط بالتسوية الإقليمية وقرار ايران الذي طلبت منه مهمات خارج الحدود حيث يقاتل في سوريا، وان الرئيس الحريري أطلعها على حوار تيار المستقبل معه على قاعدة تهدئة الوضع في لبنان واستيعاب تداعيات ازمة المنطقة خصوصا بعد انخراط حزب الله فيها وانعكاسات هذه الخطوة على الداخل اللبناني، حيث ان العاصمة الأميركية لا تبدي اعتراضا على هذا الحوار كخيار لبناني لحماية لبنان، وهي شجعت الحريري على المضي به.

لكن ثمة كلام آخر وفي مكان آخر عن حزب الله، بحيث في هيكلية الكونغرس من يعتبر ان حزب الله قدم مؤخراً عدة مؤشرات إيجابية من خلال اخراج ذاته من منظومة مطار بيروت الدولي امنيا، نتيجة طلب أميركي مؤخراً بعد المباشرة في تسليم الأسلحة وتراجعت مهامه ايضا حيال متابعته الحركة الأميركية عبر هذا المكان ايضا «مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري»، إنما هذا الواقع من تبادل الرسائل عبر ايران حول حزب الله ايضا مسؤولا الى حد ما عن اي حدث امني من جانب الولايات المتحدة لكونه القوة الوحيدة القادرة على هز الاستقرار وكذلك حمايته، وهذا الواقع من بداية التطبيع لا يلغي عدم المضي في تجفيف موارده المالية وإحالة ناشطيه الى المحاكمة لمسّهم بالامن القومي للولايات المتحدة وشعبها.

اما حيال الطائف وحرص واشنطن عليه، يأتي الكلام في هذا المجال وفي هذه الهيكلية من معاون لمسؤول فاعل بأن المنطقة ستشهد فرزا جديدا بات من غير الطبيعي تعايش مكوناتها بسهولة رغم كل التسويات والمصالحات، ولذلك فان الدفاع عن الطائف يندرج في سياق حرص الولايات المتحدة عليه كأمر طبيعي لكن اذا ما كانت المنطقة امام خريطة جديدة على غرار «دويلات داخل دول» فان كل التسويات والاتفاقات سترسى من جديد على وقع مسار الاحداث ونهايتها وان حيزا من المشهد العراقي من زاوية واقع كردستان قد يكون المدخل للهدوء في المنطقة بعد الزلزال المذهبي.