بعد مضي أكثر من خمسين شهراً على الحرب الاستعمارية - الرجعية - التكفيرية على سورية، ثمة حقيقة واضحة اعترف بها الأصدقاء والأعداء، وهي أن الدولة الوطنية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد صمدت، وواجهت ببسالة نادرة تلك الحرب الكونية التي وفّرت لها الولايات المتحدة والغرب ودول الكاز العربي كل أشكال الدعم المادي والعسكري والبشري، بشكل جعلت أمير قطر السابق يقول في بداية الحرب على سورية، إنه مستعدّ لصرف مئة مليار دولار من أجل هزيمة سورية، في وقت كانت مملكة الرمال السعودية تُفرج عن كل السجناء الإرهابيين والمصنَّفين في خانة "خطيرين"، وتوفّر لهم ولعائلاتهم كل أسباب الدعم المالي، مقابل أن يلتحقوا بالجماعات الإرهابية التي تقاتل الدولة الوطنية السورية.

ووفقاً لرأي العديد من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين، فإن كل مفاهيم وأجيال الإرهاب، وكل الخبرات لدى الدوائر الاستخبارية في الولايات المتحدة وباريس ولندن، من تجارب التمييز العنصري في الولايات المتحدة، وتجنيد المرتزقة من قبَل الغرب على طريقة "بوب دينار" و"الكونترا" وغيرهما.. إلى إطلاق الحروب التكفيرية منذ ثمانينات القرن الماضي، بدءاً من الجزائر إلى أفغانستان، وليس انتهاء بـ11 أيلول 2001، وغزو العراق 2003، استحضرت في الحرب على الدولة الوطنية السورية.

تضاف إلى كل ذلك، بحسب الخبراء، سلسلة من العوامل جعلت الحروب على سورية على مدى أكثر من خمسين شهراً حروباً غير تقليدية، تشارك فيها دول كبرى وصغرى ودوائر مخابرات دولية كبرى، ومخابرات إقليمية، وعصابات ومسلحين من كل فجّ عميق، من دول الغرب "المتمدن"، إلى الشيشان والقوقاز والخليج والمغرب العربي، وهلم جرا.

كما سُخِّرت فيها كل وسائل الغنى والثروة، والإعلام بكل إمكانياته وحيَله، والتي استفاد فيها ما يسمى "معارضون" في سورية، صارت لهم أرصدتهم وحساباتهم الكبرى، والمتعة الجنسية التي أُطلقت تحت عنوان "جهاد النكاح".

حروب غير تقليدية، فيها أعلى أشكال الإرهاب، إضافة إلى عدة عوامل أبرزها:

1- أن لسورية حدوداً مفتوحة مع عدة دول كانت كلها تضخّ إلى الداخل السوري العناصر الإرهابية والسلاح والمال؛ من الكيان الصهيوني إلى الأردن إلى لبنان إلى تركيا والعراق.. هل تذكرون على سبيل المثال لا الحصر، باخرة "لطف الله-2"، التي ضبطها الجيش اللبناني في الساحل الشمالي؟ ثم ماذا عن القتلى اللبنانيين في سورية، والذين كانوا قبل أكثر من عشرين شهراً أكثر من 850 قتيلاً، وهناك الكثير من الشباب الذين لا يعلم أهلهم عنهم شيئاً، ولا يجدون جواباً شافياً من رجال دين وسياسيين غرروا بهم ودفعوهم إلى أتون النار السوري؟

2- ثمة دعم خارجي للمجموعات الإرهابية المسلحة في الداخل السوري غير محدود، مما ألغى عملياً كل التصنيفات التي تضعها الولايات المتحدة والغرب، وما تسمى الأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية، وهكذا كنا نجد ما يسمى "مجموعات أصدقاء سورية" يوفّرون كل أشكال الدعم لكل أصناف وحروب ومتفرعات "القاعدة" و"الإخوان المسلمين"، من أمثال "جبهة النصرة" و"داعش"، و"جيش الإسلام" و"أحرار الشام"، وغيرها من الأسماء.

إذاً، ثمة تحالف واسع سري وعلني كما يرى الخبراء، لم يحدث مثله في تاريخ الحروب بين دول كبرى وصغرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، والأردن والبحرين وجماعات "14 آذار" المتمثلين في الحكم في دولة لبنان، وتركيا، ودول فاحشة الثروة مثل السعودية وقطر، والكيان الصهيوني، ومنظمات دولية وإقليمية، مثل مجلس الأمن والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرهم.. وقوى الإرهاب التكفيري وحروب الردة عبر التاريخ من أمثال "القاعدة" و"النصرة" و"داعش"، ومعارضات الياقات وربطات العنق، من فلول يسارية وقومية سابقة وسكان فنادق 5 نجوم من أمثال ميشال كيلو، وبرهان غليون، ورياض الترك، وجورج صبرا، وغيرهم، وامتداداتهم العربية والفلسطينية من أمثال عزمي بشارة وبعض قادة "حماس"، ومرتدي اليسار وبقايا الحركات القومية العربية التي وجدت مصلحتها في المال الأسود.

بعد أكثر من خمسين شهراً، ثمة حقيقة واضحة، وهي أن الجيش العربي السوري نجح بشكل رائع في استيعاب التجارب والمواجهة، فابتدع الخطط والحروب والأعمال العسكرية النوعية والنادرة في شتى المواجهات، فأكّد أنه يستطيع السيطرة على أي مكان يريده، مما كان له أكبر الأثر في الحفاظ على معنويات ضباطه وجنوده، ويشهد على ذلك في مواجهاته الباسلة في الجنوب السوري، حيث غرفة عمليات "موك" في الأردن، وفيها ضباط سعوديون وصهاينة وأردنيون وأميركيون يقودون المعارك، وفي الشمال، حيث المخابرات التركية والأميركية، والموساد يقودون معارك الإرهاب التكفيري.

بأي حال، وحدات الجيش السوري مع سلاح الطيران ما زالوا يصنعون "المعجزات"، فلنتابع وقائع الميدان؛ من القلمون إلى ريفي القنيطرة ودرعا، إلى أرياف إدلب والرقة وحلب.. ولنتابع أيضاً التطورات اليمنية والعراقية.