صادف في السادس من أيار عيد الصحافة، وهو كان يوماً للشهداء والصحافيين، من بينهم الذين أعدمهم السفاح جمال باشا الذي لُقِّب بالجّزار في عهد السلطنة العثمانية التي كان لبنان تحت احتلالها، فانتفض الوطنيون اللبنانيون يطالبون بالحرية، كما برفض "التتريك" والدعوة إلى الوحدة السورية.

ألغت الحكومة اللبنانية عيد الشهداء من المناسبات الرسمية والوطنية والدينية، لتعتبره نقابة الصحافة يوماً لها، في وقت ترتفع أصوات، لا سيما منها عائلات شهداء الجيش، بأن يكون للبنان يوم للشهداء ليس من أعدمهم جمال باشا فقط، بل شهداء الاستقلال من الاستعمار الفرنسي، وشهداء المقاومة ضد الاحتلال "الإسرائيلي"، وشهداء الجيش في حربه ضد العدو "الإسرائيلي" والجماعات الإرهابية التكفيرية، إضافة إلى شهداء الحرب الأهلية دون تمييز، للتذكير برفض العودة إليها.

وتبقى الصحافة على 6 أيار، كيوم للحرية التي من أجلها استشهد صحافيون، وفي سبيلها ما زالوا يناضلون، وألا يكون للإعلام المكتوب فقط، بل لغيره، وهو الذي يعاني من أزمة استمراره ووجوده أمام زحف الإعلام الذي ولّدته ثورة الاتصالات، وخلقت وسائل تواصل جديدة هي أسرع ما كان يمكن للمرء أن يتصوره من تطوّر في العقود الثلاثة الماضية.

فالإعلام هو المشمول بالمكتوب والمرئي والمسموع والإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، بحيث باتت التقنيات لا يؤثر فيها رقيب مخابرات أو أمن عام ليمنع دخول صحيفة أو توزيعها، أو يعمل مقصه في مقالاتها ومواضيعها وتحقيقاتها فيشوّهها، فهي أصبحت مقروءة إلكترونياً، وهذا تعطيل لـ"الدولة البوليسية" التي تحاول بعض البلدان أن تخرق شبكات الاتصالات لتتجسس، وهو ما تفعله الولايات المتحدة الأميركية، حيث كشفت تقارير "ويكيليكس" التي نشرها ادوارد سنودن؛ العامل في جهاز المخابرات الأميركية، عن دور واشنطن في التنصّت على اتصالات زعماء دول، ومنهم حلفاء لأميركا، ما أحدث عدم ثقة بينهم.

وإذا كانت الصحافة تمّ تصنيفها على أنها "السلطة الرابعة"، فإن الإعلام هو صناعة الرأي العام، وتصرف الدول والحكومات والمنظمات ورجال المال والأعمال ميزانيات على الإعلام، سواء بإنشاء وسائلها، أو بتمويلها للسيطرة عليها وتوجيهها، بما ينفي عنها حرّيتها وصدقيتها وموضوعيتها، ويتم استخدامها لأغراض خاصة أو أهداف سياسية، حيث يفعل التعطيل والتشويه والتحريض فعله في الجماعات والشعوب.. ألم تكن ما سُمي "ثورات الربيع العربي" إلا من صناعة الإعلام؛ كأحد أسباب انطلاقتها وتوسيع انتشارها؟

وفي لبنان، أين صار تطبيق قانون الإعلام المرئي والمسموع الذي صدر قبل أكثر من عقدين؟ وكيف تحوّلت وسائله ومحطاته إلى منصّات للشتم والفرز والتخوين والتحريض المذهبي، وتظهير أشخاص معدومي الشخصية، والحضور إلى مرجعيات وقادة رأي، لأن اللغة التي يتحدثون فيها هي لغة الشتم والسب والتحقير، والتحاور بالأدوات لا بالعقل والفكر؟

على الإعلام اللبناني أن يقوم بوظيفته الأخلاقية، وأن يتحلّى بالموضوعية، وأن يقدّم الحقيقة، وأن يكون حامل هموم المواطن، وصوت الوطن الواحد، لا أصوات الطوائف والمذاهب والفئويات، عندها نكون أمام إعلام حرّ له يومه في 6 أيار، الذي فيه يجب أن تتوحد كل وسائل الإعلام في نقابة واحدة، بقانون عصري يحمي الإعلام ومن يعمل فيه، ويضمن للعاملين فيه حقوقهم.