دعا المبعوث الدولي إلى سورية؛ ستيفن دي ميستورا، مكوّنات المعارضة السورية التي لا تُحصى وتتكاثر يومياً، بمن فيها ممثلون عن جبهتي "النصرة" و"داعش" الإرهابيتين بعنوان ضباط اتصال بهما، مقابل الوفد الرسمي السوري، للبحث أو "الدردشة" بما يشبه الحوار التجريبي دون سقف زمني، والذي سيمتدّ إلى حوالي شهرين أو أكثر، بالتزامن مع انتهاء مباحثات الملف النووي الإيراني الذي تحدَّد موعد إنجازه بين شهري حزيران وتموز مبدئياً.

إن ما تتميّز به هذه الدعوة الأممية هو الآتي:

1- مشاركة الأطراف الإقليمية المعنية، بمن فيها إيران، ولأول مرة منذ انعقاد "جنيف - 1".

2- التورُّط السعودي بما يُسمى "التحالف العربي" في عدوانه على اليمن مباشرة، وخسارته دور الوسيط، وتحوُّله إلى طرف مشارك وغير حيادي بالمعنى العسكري.

3- التغيير الدراماتيكي في هيكلية القيادة السعودية التي خلعت الرداء الدبلوماسي والحواري، وتقمّصت الدور العسكري الحاد، والانفعالي المتهوّر.

4- خيبة المملكة السعودية من حلفائها الذين تركوها وحيدة في مغامرتها العسكرية، ورسوبها في امتحان زعامة العالم الإسلامي، وبشكل فاضح.

5- التدخُّل التركي الفاضح في التصعيد العسكري الشامل، خصوصاً في الشمال السوري؛ في إدلب وحلب ونواحيهما.

محاولة المبعوث الدولي لمحاورة الأطراف السورية المعارضة والنظام، بعد فشل محاولاته المتكررة لفض الاشتباك في مدينة حلب، نموذج يمكن تكراره في بقية المحافظات السورية في حال نجاحه وفق استراتيجية "الحل بالمفرّق" أو الحل المتدحرج؛ بما يشبه المصالحات التي تجريها الدولة السورية، والتي أفشلتها الدول الراعية للمعارضة السورية، ما ألزم دي مستورا بمناقشة الحل الشامل، أي الحل السياسي، بعد اقتناع الإدارة الأميركية بفشل إسقاط النظام، وعقم الحل العسكري، وخوفاً من انقلاب الأوضاع في العراق لصالح الدولة العراقية، وهزيمة "داعش" التي بدأت إرهاصاتها تلوح في العراق، بعد نجاح الحشد الشعبي والجيش العراقي في الإمساك بزمام المبادرة.

لكن "جنيف - 3" يبدأ مع تغيّر وقائع ما يُسمى "الربيع العربي" الذي بدأ بمظاهرات شعبية تطالب بالإصلاح في مرحلته الأولى، ثم صادرته الجماعات التكفيرية بمرحلته الثانية، والآن صادرته السعودية وحلفاؤها كلياً عبر "عاصفة الحزم" الموهومة، والتهديد بتكرار التجربة في سورية، لتأمين الغطاء العربي للتدخُّل الجوّي "الإسرائيلي" والتركي في المعركة، لدعم المسلحين - كما حصل في ليبيا - خصوصاً في جبهتي الجنوب (درعا والقنيطرة) وجبهة الشمال (إدلب وحلب)، لتغيير الواقع الميداني في سورية قبل بدء التسوية السياسية الشاملة في المنطقة، والتي انتقل فيها الصراع بين الجماعات التكفيرية والمعارضة مع أنظمتها القطرية إلى صراع بين المحور المقاوم والمحور الأميركي، ومن ورائهما صراع دولي يشابه الصراع بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لتحديد مناطق النفوذ لكلا المحورين، وحصة كل منهما في ثروات المنطقة، لذا فإن مؤتمرات الحوار التي تجري في ليبيا أو العراق أو سورية أو اليمن، وقريباً في السعودية والمغرب العربي، هي مؤتمرات تحضيرية أو لجان فرعية للحوار لبحث التفاصيل السياسية والجغرافية الوطنية، لتكوين ملف شامل للحوار الحقيقي المقبل دولياً وإقليمياً، وفق حلّ واحد يطبّق على الجميع، فإذا انتصر المحور الأميركي سينفذ مشروعه التقسيمي، عبر إقامة دويلات وإمارات ومشيخات ضعيفة، كما هو حال بعض الإمارات الخليجية، وإذا انتصر محور المقاومة وصمد، فستبقى الدول كما هي، مع تقاسم الدول عبر الأنظمة الجديدة أو القديمة، إضافة إلى تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لـ"تحقيق العدالة الاجتماعية، وحفظ حقوق المكونات الإثنية والطائفية".

الأشهر المقبلة ستكون أكثر سخونة ودموية مما مضى، نتيجة محاولة بعض الأطراف الإقليمية كسب بعض أوراق القوة، والسيطرة ميدانياً، لصرفها على طاولة المفاوضات التي ستظهر عاجلاً أم آجلاً، لأن كل الحروب والصراعات لا تنتهي إلا بالمفاوضات، مع فارق أن تفاوض مهزوماً أو تفاوض نداً، لتكتب المعادلة الأخيرة، والصبر والصمود مفتاح النصر وحفظ الهوية والحقوق والأوطان، فاليأس ممنوع {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}.