يقف المسؤولون في لبنان في حيرة من أمرهم كونهم عاجزين عن خوض غمار استحقاقاتهم الداخلية في ظل الانشطار السياسي الموجود وفشلهم في تحديد البوصلة الإقليمية والدولية التي تلعب دوراً أساسياً في هذا المجال، ومردّ ذلك أن نوافذ الخارج القريبة والبعيدة ما تزال مقفلة على الواقع اللبناني الذي إلى الآن لا مكان له على الأجندة الإقليمية والدولية التي تعجّ بالملفات والقضايا التي تعتبر بالنسبة لدول القرار على قدر من الأهمية الذي يجعلها تتقدّم على ما عداها من مواضيع أخرى، وهذه الملفات تبدأ في اليمن ولا تنتهي في سوريا وما بين هذه أو تلك لا وجود لشيء إسمه الأزمة اللبنانية التي في أعين هؤلاء غير مستعجلة ولا ضرر في أن تبقى على رف الانتظار مُـدّة إضافية ما دامت المظلة الدولية مفتوحة لتأمين الاستقرار اللبناني الداخلي ليس حباً بلبنان بل لضرورات مطلوبة في هذه المرحلة.

وتقول مصادر سياسية في هذا السياق أن أحداً من المسؤولين في لبنان لا يملك أي معلومة ثابتة حيال الاستحقاق الرئاسي أو غيره مما ينتظرها لبنان، كون أن هناك تعتيماً قوياً على المستويين الإقليمي والدولي يحول دون تحديد مسار ومصير أي استحقاق لبناني في هذه المرحلة، كاشفة عن أن كل الأسئلة والاستفسارات التي طرحت على الموفدين الدوليين أو تلك التي تطرح على الدبلوماسيين الأجانب لا تلقى أي أجوبة لا بل ليس لها أي صدى في أروقة السفارات التي كانت تتولى إعطاء كلمة السر عادة في مثل هكذا محطات، وهو ما يبعث على الخوف من أن أمد الفراغ الرئاسي سيطول أكثر مما يتصوّره البعض، وأن استحقاقات أخرى ستلحق به مما يضع لبنان في دائرة الفراغ القاتل الذي سيكون له آثار سلبية جمّة على الواقع اللبناني من مختلف جوانبه.

وتستغرب المصادر هذا التعاطي الخارجي مع لبنان وكأن هناك من يتقصّد أن يغمض عينيه ويدير أذنه الطرشاء لأي مسؤول لبناني يريد أن يعثر على أي جواب على الأسئلة التي تثار حول المدة التي يمكن أن يبقى فيها لبنان من دون رئيس للجمهورية ويعيش الشلل التشريعي ويتقلب على صفيح ساخن نتيجة منسوب التوتر المرتفع على حدوده مع سوريا، وهو ما يعني ببساطة أن الرهان على الخارج في الوقت الراهن للمساهمة في إنجاز استحقاقات الداخل لا يفيد، لا بل أنه يزيد «الطين بلّة»، من دون أن تظهر أي بوادر عن إمكانية الولوج في حل الأزمات السياسية المتفاقمة بشكل ذاتي بفعل الانقسام السياسي وارتباط الأفرقاء اللبنانيين بالمحاور الإقليمية والدولية، وهو ما يوصلنا إلى نتيجة شبه نهائية بأن لبنان لن يعرف راحة الباب والاستقرار السياسي والأمني في مُـدّة قريبة، وأن قابل الأيام لا يحمل أي معطيات مشجعة حول إمكانية الخروج من عنق الزجاجة بسهولة، وأن لبنان ربما يكون من بين الدول التي ستدفع الأثمان قبل ولادة التسوية الكبرى في المنطقة والتي قاعدتها تجزئة المجزّأ وتقسيم المقسّم في العديد من دول المنطقة وعلى وجه الخصوص تلك التي تشهد الحروب والقلائل المذهبية والطائفية على اعتبار أن أي تقسيم سيكون حجر أساسه المعطى الطائفي والمذهبي، لكي لا تقوم لهذه الدول قيامة وتبقى إلى أبد الآبدين دولاً متصارعة ومتناحرة.

وتقلل المصادر من أهمية انعكاس الملف النووي الإيراني فيما لو تمّ التفاهم عليه على أزمات المنطقة ومنها لبنان بشكل فوري ومباشر، وهي تعرب عن اعتقادها بأن هذا الملف منفصل تماماً عن أزمات المنطقة حيث أن الخلافات من الممكن أن تستمر، وأن لبنان ربما لا يستفيد من التقارب الأميركي - الإيراني في ما خص الاستحقاق الرئاسي العالق على حبل الخلافات الداخلية والإقليمية، لافتة النظر الىأن التقارب السعودي - الإيراني من الممكن أن يكون عاملاً مساعداً إلى حدٍّ ما في معالجة هذه الأزمة غير أن الأفق تجاه احتمال حصول هذا الأمر في المدى المنظور مقفل بإحكام في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة لا سيما على الجبهة اليمنية التي أبعدت أي أمل قريب بجلوس طهران والرياض على طاولة واحدة وإزالة الشوائب التي تعتري العلاقة بينهما والتي تؤثر بدورها بشكل سلبي على الكثير من ملفات المنطقة ليس في اليمن وحسب بل أيضاً في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وهو ما يدل بشكل قاطع على أن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور، لا بل أن الأزمة اللبنانية ذاهبة إلى المزيد من التعقيدات والتجاذبات وربما التوترات ما لم يتم تدارك الحريق الإقليمي ومنعه من الوصول إلى أطراف الثوب اللبناني، وهذا ليس ممكناً ما لم تبقَ أبواب الحوار مفتوحة للتقليل من حجم الأضرار.