في الإطلالتين الأخيرتين للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، كان واضحاً الحرص على توجيه رسائل إلى الداخل السوري، ليس للفئة التي تقف إلى جانب قوى المعارضة، بل إلى جانب البيئة الحاضنة للرئيس السوري بشار الأسد، في ضوء الشائعات التي يجري العمل على الترويج لها بشكل مكثف في الفترة الأخيرة، لا سيما بالنسبة إلى روايات تخلي الحلفاء عن بعضهم، والتي ترافقت مع التقدم الذي إستطاعت جبهة "النصرة" تحقيقه في مدينة إدلب بغطاء تركي مباشر.

في حديثه إلى قناة "الإخبارية السورية"، لم تسمح الضجة التي أثارها نقل "تلفزيون لبنان" المقابلة بالتوقف عند المضمون، حيث تحول سريعاً التركيز إلى الخطوة الثانوية التي حصلت، مع العلم أن السيد نصرالله تعمد التأكيد أكثر من مرة، من خلال القناة السورية، على أهمية دور دمشق المستقل على مستوى المنطقة، والإشارة إلى أن المعركة هي من أجل الدفاع عن هذا الدور المميز في محور المقاومة والممانعة، وكان لافتاً التشديد على محدودية الدور الذي يقوم به "حزب الله" وإيران، مقابل تضحيات الجيش السوري على أرض المعركة، في مقابل السعي إلى التركيز من قبل الفريق الآخر على نظرية أن القيادة السورية تعيش على واقع دعم الحلفاء.

في هذا الإطار، وصلت الرسائل إلى الشارع السوري بشكل جيد، كان لافتاً تفاعل الأخير مع حديث السيد نصرالله من خلال تعليقاته على مواقع التواصل الإجتماعي، حيث ظهر الترحيب الواسع، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة على الأجواء، وكان من المفترض أن يتم البناء على ما تقدم لولا عودة ضخ الأجواء المضادة، بالتزامن مع بدء معركة إدلب، حيث ظهرت التلميحات بأن طهران تغض النظر عن المعركة التي تقودها أنقرة بهدف تقليم أظافر الجيش السوري، بغرض دفع قيادته السياسية إلى التسوية عن طريق تبديل موازين القوى الميدانية مقابل التركيز على المعركة مع الجانب السعودي في اليمن.

تلك الحملة نجحت إلى حد ما، بفعل ربطها بالملف النووي الإيراني بشكل جيد، والقول أن إيران ستكون مضطرة إلى التنازل في بعض الساحات خلال تفاوضها مع الدول الكبرى، بالرغم من مواقف مرشد الثورة السيد علي خامنئي الواضحة بأن بلاده لا تفاوض إلا على الملف النووي حصراً، الأمر الذي تشبهه المصادر المطلعة، عبر "النشرة"، بتباهي الدول الكبرى بفرضها تخلي طهران عن صنع قنبلة ذرية، في حين هي أصدرت فتوى شرعية تحرم القيام بهذا الأمر قبل سنوات طويلة، إلا أن ارتفاع بعض الأصوات المتماهية معها كان يتطلب عودة أمين عام "حزب الله" إلى تأكيد المواقف نفسها.

يدرك السيد نصرالله المصداقية التي يتمتع بها لدى الشعب السوري، فهو أصلاً يحظى بهذه الصفة لدى خصومه الإسرائيليين قبل غيرهم، فكيف بالنسبة إلى حليف قرر خوض المواجهة إلى جانبه، ليس فقط من أجل الدفاع عنه، بل لأن الدفاع عن دمشق في إستراتيجية الحزب هي دفاع عن لبنان والمنطقة، وبالتالي هو قادر من خلال خطاب واحد لأن يشكل قوة معنوية موازية لقوة الفريق الآخر الذي يصرف الأموال الطائلة للتأثير على المعنويات في الحرب النفسية.

في هذا السياق، تشدد المصادر على أن التساؤلات التي طرحت في الفترة الأخيرة كانت محقة، خصوصاً بالنسبة إلى التغاضي عن الدور التركي في الميدان، لا سيما أن ما قامت به أنقرة في الشمال السوري جاء بعد وقت قصير على زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران، وبحثه العديد من الملفات الإقتصادية المهمة بين الجانبين، لكنها تشير إلى أن المعارك في الميدان لم تنته، وتلفت إلى أن التأكيد الصادر عن الرئيس الأسد، يوم أمس، بأن بلاده تخوض حرباً وليس معركة واحدة فقط، وبأن الجيش سيصل قريباً إلى المحاصرين في جسر الشغور لمتابعة المعركة، يصب بالإتجاه نفسه، وبالتالي نظرية تقسيم الإقاليم بالنار لن تنجح على الأرض السورية، وترى بأن تشديد أمين عام "حزب الله" على أن حلفاء سوريا لن يتخلوا عنها كان الرسالة الأبرز في خطابه الأخير.

في المحصلة، هي حرب نفسية على أعلى المستويات، وما تدخل السيد نصرالله شخصياً للتعامل معها الا أكبر دليل على خطورتها، إلا أن المطلوب في المقابل التنبه إلى بعض الأخطاء التي تحصل في التعاطي من المحور نفسه، من خلال بعض المواقف والتصريحات التي لا تتنبه إلى هذا الأمر.