في زمن المخاطر الوطنية الكبرى، هل هناك مجال لبعض الضوء؟ الذين يدركون حجم الكوارث الآتية قادرون على تقويم الوثيقة المنتظرة غداً، بمبادرة من «الرابطة المارونية»، والتي تكسر الحواجز بين صقور 8 و14: من «حزب الله» إلى «القوات اللبنانية»، ومن «المردة» و«أمل» و«الوطني الحرّ» إلى «المستقبل» والكتائب والإشتراكي.إنه لقاء ثمين حول وثيقة جريئة، في الوقت الضائع بحثاً عن أوراق التفاهم الثنائية، مذهبياً أو فئوياً. ففي مؤتمر «الشراكة والاعتدال»، غداً، سيطلق صقور 8 و14 آذار وثيقة موحَّدة هي الأولى من نوعها منذ «إعلان بعبدا»، مع فارق أنّ هذا «الإعلان» تنصَّل منه كثيرون، وأما الوثيقة فالجميع آتٍ إليها متحمّساً.

في الأسابيع الأخيرة، عملت اللجنة السياسية في الرابطة بعيداً من الأضواء لجمع المتصارعين على مبادئ- ثوابت تكسر الحواجز. وستكون الوثيقة خلاصةً لبلورةٍ هادئة ودقيقة بين الأفرقاء جميعاً.وهي تواكب حراكاً سياسياً للرابطة شمل الفاتيكان في نيسان، حيث حصلت على وعدٍ مبدئي بمشاركة فاتيكانية رفيعة في مؤتمر حوار الأديان الذي تنظّمه في الخريف.

ويقول عضو المجلس التنفيذي في الرابطة أنطوان قسطنطين إنّ بناء الجسور بين المكوِّنات الوطنية هو جزء من مسؤولياتنا كرابطة مارونية، ومن دورنا كمسيحيين. فالوظيفة الطبيعية التي على المسيحيين اللبنانيين أن يؤدّوها هي تفعيل عملية التلاقي الحضاري للحفاظ على الميثاقية اللبنانية الفريدة. هذا هو الدور التاريخي للمسيحيين، الذي صان حضورهم ويكفل لهم الاستمرار.

المداخلات في المؤتمر، الذي سينعقد في «الميتروبوليتان بالاس»- سن الفيل، ستكون لـ«المردة» (الوزير ريمون عريجي)، «حزب الله» (الحاج محمود قماطي)، «القوات» (النائب أنطوان زهرا)، الإشتراكي (الزميل رامي الريّس)، «الوطني الحرّ» (النائب إبراهيم كنعان)، «المستقبل» (النائب جمال الجراح)، «أمل» (المستشار علي حمدان) والكتائب (النائب إيلي ماروني).

ووفقاً لمصادر الرابطة، سيعلن المجتمعون التزام مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، والتمسك بلبنان سيداً حراً مستقلاً، على أسس الشراكة المتوازنة والاعتدال والانفتاح بين المواطنين، مهما تنوّعت انتماءاتهم الدينية والثقافية والسياسية.

وإزاء التعصّب الذي يعصف بمجتمعات عربية ويُحرِّف الدين، ستطلق الوثيقة تحريماً للعنف وإدانة للإرهاب الفكري والدموي والتطرُّف الديني، وتتمسك بالحوار وجوهر المسيحية والإسلام مع احترام الحق في الاختلاف، في الرأي والمعتقد والدين. وتؤكد الوثيقة رفضها ما يستهدف المسيحيين من عنف واضطهاد وتخويف، في دول مشرقية قامت مجتمعاتها على التنوّع الديني والثقافي منذ 2000 عام، ما يؤدّي الى هجرتهم وانحسار التنوُّع.

وتتمسك الوثيقة بالطائف الذي حسم الكثير من القضايا الخلافية وأكد المناصفة وتثبيت عروبة لبنان ونهائية الكيان. وتدعو إلى «الاحترام الدقيق» لروح الميثاق، لجهة الشراكة المتوازنة والحقيقية في القرار وتصحيح الخلل في الحكم والإدارة،

وهذا يعني تفعيل المناصفة كمّاً ونوعاً في الوظائف والإدارات، وإعادة تكوين الدولة وبناء السلطة على أساس الشراكة والعدالة، من خلال قانون عصري للانتخابات يعكس صحة التمثيل وعدالته.

وفي الفراغ الرئاسي، تشدّد الوثيقة على انتظام عمل المؤسسات الدستورية ومعالجة أيّ خلل يعطِّل تكوينها، ولاسيما رئاسة الجمهورية. وتذكِّر المصادر بدور الرابطة في فتح القنوات بين الأقطاب المسيحيين المعنيين لإنهاء الفراغ. ووفقاً للمصادر، ستجدِّد الوثيقة تأكيدها أنّ اسرائيل دولة عدوّة. وستقرُّ بالحقّ في استخدام كل الوسائل المتاحة، والمعترف بها في الشرائع الدولية، لتحرير ما تبقىَّ من أراضٍ لبنانية تحتلها.

إنها فرصة للقوى اللبنانية، الذاهبة إلى الحروب الإقليمية والمستوردة لها، كي تصوغ سلامها اللبناني، إنطلاقاً من وثيقة وطنية جامعة، لا فئوية أو مذهبية. فهل يكون للرابطة المارونية دور في التأسيس لهذا السلام الضامن للجميع؟