لم يكن تيار "المستقبل" ينتظر فرصة أفضل من الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية بحق الوزير السابق ​ميشال سماحة​، من أجل العودة إلى الإمساك بشارعه من جديد، بعد أن كان وجه له رسالة قاسية، في صناديق إقتراع المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، مفادها بأن طريقة إدارته الملفات المتعلقة به غير مرضية.

من هذا المنطلق، وجد التيار نفسه مضطراً إلى التناغم مع النقمة الشعبية على الحكم القضائي، لا بل ذهب بعيداً في تشجيعها من خلال الدعوة إلى الإعتصامات والتظاهرات، بالرغم من تواجده في الحكومة في أبرز مركزين، وزارة الداخلية والبلديات ووزارة العدل، وكان من الممكن أن يذهب الوزير ​أشرف ريفي​ إلى معالجة الموضوع من دون إثارة كل هذه الضجة في وسائل الإعلام.

المستغرب في هذه القضية، هو أن "المستقبل"، منذ إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، لم يكن بعيداً عن وزارة العدل، باستثناء الفترة التي كان فيها شكيب قرطباوي على رأسها، وهو كان قادراً، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة، على الذهاب في حملة إصلاح واسعة، بدل أن يدعو إلى ضم الملف إلى المحكمة الدولية، بغض النظر عن رأي قسم كبير من اللبنانيين بها، ما يضعه في مواجهة مع الجسم القضائي الذي لم يعد قادراً على تحمّل الإهانات التي يتعرض لها.

حتى الآن، لم ينجح التيار في تجاوز "الهفوات" التي وقع فيها خلال هذه الحملة، من التدخل المباشر في عمل السلطة القضائية، بايعاز من رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، إلى المطالبة المتسرعة بإلغاء المحكمة العسكرية ومن ثم العودة عنها لاحقاً، لكن عملياً حقق ما كان يريده على المستوى الشعبي.

بالنسبة إلى المصادر المطلعة، لم يكن الحريري قادراً على تجاوز ما حصل، بسبب ترجيحات أن تستغل بعض الأصوات المتطرفة هذا الأمر على نحو بعيد، خصوصاً أنها تنتظر أي سوء إدارة من قبل فريقه السياسي لملف ما، وما الهجوم السابق على وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق​، بسبب العملية الأمنية في سجن رومية، إلا دليل على ذلك، لكنها تشير، عبر "النشرة"، إلى أن بعض قيادات التيار لم تحفظ خط الرجعة الذي ستحتاج له لاحقاً.

بالإضافة إلى ذلك، تشير المصادر إلى أن توقيت صدور الحكم مع الإنتصارات التي يحقهها "حزب الله" في منطقة جبال القلمون السورية، كان محرجاً لـ"المستقبل"، الذي لم يكن قادراً على إمتصاص نقمة هزيمتين من النوع الكبير في الوقت نفسه. وترى أن وزير العدل كان الرابح الأكبر من هذه المعركة، باعتبارها كانت الباب الذي دخل عبره من جديد إلى الساحة الجماهيرية، بوصفه "بطلاً" لا يقدم "التنازلات"، في وقت كانت أسهم زميله وزير الداخلية والبلديات ترتفع بشكل كبير، كـ"راع للحوارات" و"رافع لشعار مكافحة الإرهاب والتطرف"، بغطاء سعودي وأميركي و"مستقبلي".

وفي حين ترى أن التيار نجح في إستيعاب الصدمة في الشارع من خلال الإجراءات التي قام بها، تجزم المصادر بأنه لن يستطيع أن يقدم الكثير على الصعيد القانوني في قضية سماحة، لا سيما أن الموضوع بات تحدياً لسلطة القضاء العسكري، وتشير إلى أن ما حصل لن يكون إلا غطاء تُبرّد من خلاله الأجواء المشحونة، لا سيما في ظل إصراره على الإستمرار في الحوار مع "حزب الله"، بغض النظر عن التصعيد المتبادل عبر وسائل الإعلام، ما يعني عملياً الإلتزام بالرغبة الإقليمية والدولية الصارمة في موضوع الحفاظ على الإستقرار النسبي في لبنان.

من جانبها، تحاول مصادر في كتلة "المستقبل" التخفيف من وَهْج القضية، لكنها من خلال القول أن الجمهور لم يكن قادراً على تقبل الحكم الصادر في ظل الأوضاع الحالية، تؤكد بأن الحملة القائمة هدفها منع إبتعاده عن قيادتها السياسية، وتجاوزها كان ممكناً فيما لو كانت في توقيت مختلف، إلا أنها تشير إلى أن التصعيد كان ضرورياً من أجل التأكيد على عدم الإستسلام في هذه "المواجهة الوطنية"، لا سيما أن العامل السياسي من جانب الفريق الآخر كان ضاغطاً.

من ناحية أخرى، تنفي المصادر، عبر "النشرة"، أن تكون حماسة وزير العدل سببها السباق مع وزير الداخلية على السراي الحكومي، وتؤكد أن هذا الموضوع غير مطروح إلا من جانب من يريد زرع الشقاق بين الجانبين، وتضيف: "الحريري هو من إتصل بالوزيرين منذ البداية من أجل متابعة الملف بكل الوسائل المتاحة".

قد يكون اللعب على وتر الشارع هو السلاح الأخطر في كل المراحل، خصوصاً في أوضاع شبيهة بتلك التي يمر بها لبنان حالياً، فمن يضمن عدم ذهابه إلى المجهول في حال الإخفاق في تحقيق الوعود التي تقدم؟