لا يبدو تيار "المستقبل" مطمئناً، في المرحلة الراهنة، لسير المعارك في جبال القلمون السورية، لا سيما بعد خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الأخير، وتأكيده بأن أهالي البقاع الشمالي لن ينتظروا قرار الدولة اللبنانية طويلاً، في حال لم تبادر لمعالجة البؤرة الإرهابية في ​جرود عرسال​.

في أروقة التيار الداخلية حديثٌ عن مخاطر هذه الخطوة، وكلامٌ عن تداعياتها المرتقبة على بلدة عرسال أولاً وكل لبنان ثانياً، في ظل الأوضاع المتوترة أصلاً على أكثر من صعيد، ومخاوف من عدم القدرة على تجاوز الإمتحان الصعب، نظراً إلى أن ردة فعل بعض الجهات غير مضمونة.

في جلسة الحوار الأخيرة، بين "حزب الله" و"تيار المستقبل"، بادر وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إلى طرح هذا الملف على بساط البحث، لدى الرجل هاجس كبير من إنفجار البركان، أي تحرك وحدات الحزب العسكرية في جرود عرسال، ودعوات إلى النأي بالنفس عن هذا الخطر، من خلال ترك المؤسسة العسكرية تتولى الأمور هناك، خصوصاً أنها أخذت على مدى الأشهر السابقة كل الإجراءات اللازمة.

في هذا السياق، تشدد مصادر قيادية في تيار "المستقبل"، عبر "النشرة"، على مقولة أن الأوضاع في جرود القلمون مختلفة عن تلك القائمة في جرود عرسال، وتشير إلى أن خطة إنسحاب المسلحين الوحيدة ستكون إلى داخل البلدة اللبنانية التي تعيش أوضاعاً صعبة، منذ المعركة الأولى التي تحول فيها الأهالي إلى دروع بشرية لدى الجماعات الإرهابية، والتي أدت إلى بروز خلافات كبيرة بين "العراسلة" والنازحين السوريين.

وتوضح هذه المصادر أن داخل عرسال ما يقارب 100 ألف نسمة، 40 ألف من أبنائها و60 ألف من النازحين، وتسأل: "ما مصير هؤلاء في حال دخل المسلحون إلى البلدة؟" وتجيب: "سنكون أمام عملية أسر كبيرة لا نعرف كيف نخرج منها"، وتلفت إلى أنه بالإضافة إلى ذلك لا أحد يضمن ردة فعل الشارع في العديد من المدن والبلدات، لا سيما في ظل توتره نتيجة الإحتقان القائم منذ سنوات.

عملياً، ليس هناك من رؤية موحدة داخل "المستقبل"، البعض يعتبر أن الجماعات الارهابيّة عبارة عن "ثوار" ينبغي دعمهم في مواجهة الرئيس السوري بشار الأسد، في حين يعترف البعض الآخر بخطرهم على الداخل اللبناني، ويذهب بعيداً في الحديث عن أنهم مجموعة إرهابية لا يمكن الرهان عليها أو دعمها بأي شكل من الأشكال، لكنه يفضل أن لا يتدخل "حزب الله" في المعركة.

وتشدد المصادر القيادية في التيار على أن "تورط" الحزب في هذه المواجهة سيكون له تداعيات خطيرة، أولها على النظرة إلى الجيش اللبناني، الذي من المفترض به تحمل مسؤولية حفظ الأمن والإستقرار في المنطقة، وثانيها على إطار المعركة الذي سيتحول سريعاً إلى مذهبي، خصوصاً أن هناك من يعمل على وضعه في هذا السياق، والحديث عن أن إستهداف الطائفة السنية لم يعد سراً.

بالنسبة إلى هذه المصادر، الحل المطروح هو عدم دخول الحزب إلى هذه المنطقة، وتكليف المؤسسة العسكرية بمهمة الدفاع عن الأراضي اللبنانية، بحيث تكون أي مواجهة من موقع الدفاع الذي يؤمن بيئة حاضنة كبيرة على مستوى الوطن كله، لكنها تعتبر أن أحداً غير قادر على توقع ما يفكر به الحزب، خصوصاً أنه أصلاً لم ينسق مع أي جهة، رسمية أو حزبية، في معركة جبال القلمون السورية، بالرغم من إحتمال وقوع تداعيات أمنية لها على الأوضاع الداخلية، وتضيف: "الأجهزة الأمنية تفاجأت بسير المعارك في حين كان من الأفضل أن تكون على علم مسبق باحتمال وقوعها على الأقل".

في ظل هذه الأوضاع، ترى هذه المصادر أن هذه المعركة، في حال حصولها، ستكون الإختبار الجدي لمسار جلسة الحوار بين الجانبين، وتعتبر أن التيار قد يكون محرجاً جداً في هذا المجال، وهو أصلاً في موقع لا يحسد عليه أمام جمهوره، منذ بدء الأحداث اليمنية إلى الحكم الصادر بحق الوزير السابق ميشال سماحة، وتشدد على أن قيادات "المستقبل" تبذل جهوداً كبيرة لتبرير الجلوس مع ممثلي الحزب على طاولة حوار عين التينة وسط كل ذلك.

هذا لا يعني تغطية الجماعات الإرهابية، بحسب ما تؤكد عليه مصادر "المستقبل"، لكنها تشير إلى أن هناك واقعاً ينبغي التعامل معه بعقلانية، وبالتالي التهور قد يدفع ثمنه لبنان غالياً، وتلفت إلى أن القرار الإقليمي والدولي القاضي بالحفاظ على الإستقرار النسبي لا يزال قائماً، لكنها تجزم بأن هذه المظلة لن تكون قادرة على ضمان الشارع إذا ما تم الضغط عليها كثيراً.

في الختام، تجزم المصادر بأن الأوضاع غير مطمئنة، بالنسبة لها القلق يحاصر البلد من كل الإتجاهات، من إحتمال إعتداء الجماعات الإرهابية، ومن إرتفاع حظوظ قيام "حزب الله" بعملية عسكرية غير محسوبة النتائج.