ليس من الصعب أبداً على متابعي التحضيرات لمعركة عرسال المقبلة أن يلاحظوا أنها ستأتي مختلفةً تماماً عن الغزوة التي تعرضت لها البلدة في الثاني من آب الماضي. فالمقارنة بين المعركتين، تظهر أن أوجه الشبه قليلة جداً أو حتى معدومة أكان في الوضع الميداني أو في الجو السياسي.

في الميدان يقول خبراء عسكريون إن "المجموعات الإرهابية المنتشرة في جرود البلدة كانت في معركة العام 2014 في موقع الهجوم، بينما هي اليوم في موقع الدفاع ولا تملك قدرة المهاجمة التي كانت تملكها في السابق نظراً الى المعارك الدائرة بين تنظيمي "داعش" و"​جبهة النصرة​"، ونظراً الى ترك مسلحي "داعش" رفاقهم في "النصرة" وحيدين في الجرود العرسالية".

في الميدان أيضاً، لم يكن ​الجيش اللبناني​ عتاداً وعديداً جاهزاً كي يتصدى لغزوة العام الفائت، كما هو الوضع اليوم إذ تنتشر على تخوم البلدة وتلالها كما مداخلها أفواج وسريات عدة على رأسها أحد أبرز الأفواج الخاصة ألا وهو فوج المجوقل. كما أن مدفعيته في آب 2014 لم تكن مثبّتة في قواعدها وموجهة كما هي اليوم في إتجاه مغاور ونقاط تمركز الإرهابيين.

أثناء الغزوة، كانت عرسال مشرعة أمام الإرهابيين عبر كل معابرها الجردية، نزل المسلحون الى الشوارع والأحياء السكنية وإتخذوا من الأهالي دروعاً بشرية، أما اليوم فغالبية هذه المعابر مقفلة من قبل الجيش، وإذا كانت هناك منافذ أخرى يتم إستعمالها، فهي لن تكون إلا مكشوفة أمام خطوط نيران الجيش وبالتالي فتكرار سيناريو الغزوة ليس بالأمر السهل اليوم.

حتى بالنسبة الى عملية خطف العسكريين، التي خنقت الدولة ومؤسساتها منذ وقوعها، فالوضع بات مختلفاً بحسب خبراء الميدان إذ أن فصيلة درك عرسال نقلت من داخل البلدة الى عين الشعب، أي الى المنطقة الفاصلة بين عرسال واللبوة، ونقاط الجيش حُصّنت كما يجب لتفادي خطف المزيد من العسكريين.

أما المفارقة الأبرز بين عرسال الأمس واليوم، يقول مسؤول أمني كبير، فهي أن الجيش الذي يتحرك بناء على قرار السلطة السياسية، والذي تُرك وحيداً في الغزوة وشلّت التدخلات السياسية حركته فارضةً عليه وقف إطلاق النار، ما أدى الى هرب الإرهابيين الى الجرود ومعهم العسكريين الأسرى، لن يكون وحيداً في المعركة المقبلة، ولن تستطيع السلطة السياسية وقف المعركة بتسوية ما لأن المبادر والمهاجم على أرض الميدان هذه المرة هو "حزب الله"، الذي يتقدم يوماً بعد يوماً في إتجاه عرسال بعد تنظيفه جرود منطقة القلمون. وبالتالي يتابع المسؤول الأمني، " لن ينجح الشيخ سالم الرافعي هذه المرة بإسم هيئة علماء المسلمين وبتكليف من رئيس الحكومة وموافقة قيادة الجيش بإبرام صفقة مشابهة للصفقة-العار، ولن يردّ أحد على ما قد يقوله الشيخ مصطفى الحجيري المعروف بـ"أبو طاقية"، كما وأن الحديث هذه المرة عن أن تطهير عرسال من الإرهابيين هو إستهداف لأهل السُنّة لن يجدي نفعاً ولن يضع حداً للمعركة". حتى التهويل على المؤسسة العسكرية لعدم التدخل، لن يجعل الجيش متفرجاً لحظة هروب التكفيريين المحاصرين الى داخل بلدة عرسال ومهاجمتهم على طريقهم حواجزه ونقاطه.

إذاً عندما تكون أوجه الشبه بين الغزوة والمعركة معدومة في الشكل، من الطبيعي جداً أن تأتي نتائج المعركة معاكسة لنتائج الغزوة، فهل تتطابق حسابات الحقل الأمني مع حسابات البيدر العرسالي؟