منذ لحظة الإعلان عن تشكيل "التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب"، تم الحديث مطولاً عن إنتهاء "وظيفة" تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، وعن بداية المرحلة الثانية من المشروع الأساسي فعلياً، لكن التطورات الأخيرة تثبت أن الأمور لا تجري على هذا المنوال، حيث لا يزال لدى التنظيم الإرهابي وظائف لم يقم بها حتى الآن، وبالتالي من المفترض إعطاؤه المزيد من الوقت.

تشكيل التحالف الدولي لم يبدأ إلا بعد تهديد "داعش" إقليم كردستان العراق، حيث تتمركز المصالح الغربية بشكل أساسي، في حين أن تاريخ جرائمه يعود لسنوات طويلة إلى الوراء، وكأن الرسالة كانت بأن تجاوز الحدود المعطاة له غير مسموح، والمفترض به أن ينفذ مهمة التقسيم بالنار ليأتي بعد ذلك من يتولى ملء الفراغ السياسي في المناطق "المحررة".

من وجهة نظر مصادر مراقبة، نقطة الإنطلاق في فهم ما يجري لا يمكن أن تكون إلا المدن العراقية، وطريقة تعامل القوى الغربية مع هذا الخطر تخفي خلفها الكثير من الحقائق الهامة، حيث تنص المعادلة على أن أبناء المناطق هم من يتولون إدارتها بعد "تحريرها"، وهؤلاء يرتبطون حكماً بالجهات التي تقدم لهم الدعم في المواجهة المصيرية، وما القانون الذي بحث في الكونغرس الأميركي، القاضي بتقديم الدعم إلى الأكراد والعشائر السنية، إلا دليلاً واضحاً.

ما حصل في مدينة عين عرب السورية، أو كوباني باللغة الكردية، لا ينفصل عن هذا المسار، لم تتدخل طائرات التحالف لتأمين منع سيطرة "داعش" عليها إلا بعد حصولها على ضمانات واضحة، مفادها أن قوات "حماية الشعب الكردي"، التابعة لحزب "الإتحاد الديمقراطي"، ستكون حليفة لها، وستشكل "اللبنة" الأولى في النسخة السورية من مشروع "الفدرلة" القائم على الأرض العراقية.

في الأيام الأخيرة، كان واضحاً أن "داعش"، الذي من المفترض أنه يواجه تحالفاً دولياً يضم العشرات من الدول، قادر على التمدد والتوسع نحو مناطق أخرى، فقد نجح في السيطرة على ​الرمادي​ في العراق وتدمر في سوريا، بطريقة تثير حولها الكثير من علامات الإستفهام، فكيف يمكن لهذا التنظيم أن يحقق الإنتصارات في العراق حيث الطائرات الغربية حاضرة في الأجواء لاستهداف أي تجمع أو تحرك لعناصره؟ وكيف له أن يشن هجوماً واسعاً في سوريا بعد أيام قليلة على عملية قامت بها قوات "كومندوس" في دير الزور بقرار من الرئيس الأميركي باراك أوباما من أجل إعتقال قيادي بارز فيه؟

في هذا السياق، تجزم المصادر، عبر "النشرة"، بأن ما حصل لا يمكن أن يكون إلا بعلم أو غطاء القوى الدولية الكبرى الحاضرة على الساحتين العراقية والسورية، لا سيما الولايات المتحدة، وتعود بالذاكرة إلى المعلومات التي تحدثت عن أن سفارتها في بغداد كانت على علم مسبق بالهجوم الذي نفذه عناصر "داعش" سابقاً على الموصل.

وتستغرب المصادر المراقبة موافقة الإدارة الأميركية اليوم على تدخل قوات "الحشد الشعبي" في معركة الرمادي بعد أن كانت ترفض ذلك، وترى أن الهدف منه التخلص من التنظيم بغية تسليم المناطق إلى جهات أهدافها الإنفصالية باتت واضحة، وتشير إلى لقاء عقد في معهد "بروكينغز" في واشنطن، تحت عنوان "دور السنّة في العراق"، كانت فيه التوجهات التي عبر عنها المشاركون واضحة.

بالنسبة إلى تدمر، تشير المصادر إلى أن كل إنهاك للدولة السورية لا يضر القوى المحاربة لها، وبالتالي هي لن تمانع إفقادها السيطرة على المزيد من المدن، بهدف إجبار حكومة دمشق على تقديم التنازلات في أي تسوية مقبلة، وهذا السيناريو قائم بقوة منذ لحظة الإعلان عن توقيع إتفاق الإطار، بين الجمهورية الإسلامية والقوى الكبرى، حول ملف طهران النووي، حيث رأى البعض أن المطلوب السعي إلى إحداث تبدل في موازين القوى العسكرية على الأرض، قبل الإنتقال إلى مرحلة البحث في الحلول لأزمات المنطقة العالقة.

وتوضح المصادر أن موقع تدمر الجغرافي يسمح لها بأن تكون نقطة أساسية في مشروع الأقاليم المذهبية والعرقية الذي بات مشهوراً، وتشير إلى أن السيطرة عليها تسمح لـ"داعش" باستكمال ربط البادية السورية بمحافظة الأنبار العراقية، كما أنها تفتح الباب واسعاً أمام عودة التوتر إلى محافظة حمص السورية، ما يعني إستكمال مشروع التقسيم بالنار نحو مناطق جديدة، وفتح جبهات جديدة تستنزف الجيش السوري والقوى المتحالفة معه، وتضيف: "الأخطر من كل ذلك أن هناك من يريد أن تتحول "دولة داعش" إلى أمر واقع، والإعتراف بها قد يكون بعد تسليمها إلى قوى أخرى تصنف معتدلة".

عملياً المشروع بات واضحاً، الجميع يعترف به في الغرف المغلقة، لكن أحداً لا يجرؤ على الحديث عن تفاصيله بشكل علني، وما يُصنف جماعات إرهابية ليست إلا أدوات أمنية تحضر لمشاريع سياسية يجري العمل على تنفيذها لاحقاً، لكن مواجهتها لا تزال ممكنة في ظل إستمرار المعارك على أرض الواقع، لكن المؤكد أن المهمة تصبح أصعب يوماً بعد آخر.