بعد أن تجاوز سعر صفيحة البنزين في لبنان خلال الصيف الماضي عتبة 35,000 ليرة لبنانية بفئتيه 95 و98 أوكتان، راح يتراجع بشكل تدريجي بطيء بموازاة تراجع سعر برميل النفط العالمي حيث كاد يلامس سعر 20,000 ليرة لبنانية لكل صفيحة في نهاية العام 2014. لكن ومنذ بضعة أشهر، عادت أسعار النفط إلى الإرتفاع مُجدّداً عالمياً، ليرتفع بطبيعة الحال سعر صفيحة البنزين في لبنان، حيث بات يبلغ حالياً 26,300 ليرة لبنانية للفئة 95 أوكتان، و26,900 ليرة لبنانية للفئة 98 أوكتان. فهل سيعود سعر صفيحة البنزين إلى 35,000 ليرة لبنانية، كما كان في السابق؟

في الأسواق العالمية، إرتفع سعر برميل النفط الخام من 45 دولاراً في كانون الثاني الماضي، إلى نحو 70 دولاراً في الأيّام القليلة الماضية قبل أن يعود ويتراجع قليلاً، علماً أنّ الرقم القياسي الذي كان قد بلغه في الماضي القريب وصل إلى حدود 115 دولاراً للبرميل الواحد. وتخوّفت بعض الأوساط الإقتصادية والشعبيّة من أن نكون نتّجه مُجدداً نحو إرتفاع قياسي في أسعار النفط العالمي، فهل هذا الأمر ممكن؟ الجواب السريع والمباشر هو: على الأرجح كلا! فالإرتفاع الحالي ليس ناجماً من نقص في العرض في الأسواق، بل هو معنوي ومُرتبط بالتوتّرات الأمنيّة المُستمرّة في كل من العراق واليمن وليبيا ومجمل منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي. كما أنّه مُرتبط بأسباب إقتصاديّة لجهة تناقص العروض الأميركيّة للنفط، حيث أدّت سياسة الأسعار المُتدنّية التي إتبعتها دول "أوبك" بقيادة السعودية خلال الأشهر الماضية، إلى إخراج عدد كبير من المُستثمرين في إنتاج النفط الصخري من حلبة المنافسة، وإلى إعلان شركات أميركية لإنتاج النفط الصخري إفلاسها، الأمر الذي عزّز دور دول "أوبك" في تحديد الأسعار. يُذكر أنّ كلفة إستخراج كل برميل نفط في الخليج العربي تتراوح ما بين 15 و40 دولاراً تبعاً لعمق الآبار ولطبيعة الأرض ولغيرها من العوامل، بينما كلفة إستخراج برميل النفط الصخري الذي يتوفّر في عدد مُحدّد من دول العالم، تبدأ إعتباراً من 40 دولاراً بالحدّ الأدنى وترتفع بشكل ملحوظ.

لكن وعلى الرغم من الإنكفاء الحالي لمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة الأميركية وسواها عن حلبة العرض في الأسواق العالميّة، فإنّ كميّات النفط المعروضة في الأسواق لا تزال تتضمّن فائضاً يومياً يُقدّر بما بين مليون إلى مليوني برميل يومياً، علماً أنّ حجم الإنتاج العالمي يبلغ حالياً أكثر من 85 مليون برميل، وحجم الإستهلاك العالمي يقلّ عن ذلك بشكل طفيف. وفي حال رفع العقوبات بشكل كامل عن إيران، فإنّ حجم إنتاج طهران سيرتفع بشكل كبير، شأنه شأن حجم تصديرها، ليزيد من كميّة النفط الفائض في السوق.

إشارة إلى أنّ مجموعة "أوبك" للدول المُصدّرة للنفط، والتي كانت قرّرت في إجتماعها الأخير الذي إنعقد في 27 تشرين الثاني 2014 الحفاظ على حجم إنتاجها عند مستوى مليون برميل يومياً، ستجتمع في فيينّا في الخامس من حزيران المقبل. وبحسب الخبراء فإنّ منظّمة "أوبك" ستحافظ على مستوى إنتاجها الحالي، في حال رفض الدول الأساسية المُنتجة للنفط من خارج "أوبك" خفض حجم إنتاجها أيضاً. وفي هذا السياق، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ من المُقرّر أن يسبق إجتماع "فيينا" المذكور، سلسلة لقاءات بين مسؤولين في "أوبك" ومسؤولين روس، مع العلم أنّ روسيا هي حالياً المُنتج الأوّل للنفط عالمياً، مع حجم إنتاج يتجاوز 11 مليون برميل في اليوم، ويضعها أمام السعودية. وفرص عودة النفط العراقي بقوّة في المستقبل قائمة بمجرّد إستتباب الوضع الأمني، علماً أنّ لاعبين آخرين يزدادون حضوراً في قطاع تصدير النفط، منهم البرازيل على سبيل المثال لا الحصر.

وبحسب الخبراء المُختصّين في القطاع النفطي، فإنّ سعر النفط العالمي، لم يعد مُرتبط حصرياً بسياسة الجهات البائعة بل أيضاً بالجهات الشارية حيث أنّ هذه الأخيرة باتت تتحوّل بسهولة من مُصدّرين كبار معروفين إلى مُصدّرين صغار من مختلف أنحاء العالم، في حال كان السعر المعروض لبرميل النفط غير منافس، الأمر الذي يساهم بدوره في الحفاظ على أسعار عالمية منخفضة نسبياً.

في الخلاصة، لا شكّ أنّ الكثير من العوامل السياسية والأمنيّة والإقتصادية تسبّبت في وقف تراجع أسعار النفط عالمياً، ثم إلى إرتفاعها من جديد. لكنّ العودة إلى سعر برميل للنفط يبلغ مئة دولار أميركي وما فوق غير واردة بحسب أغلبية الخبراء المُختصّين في هذا القطاع. وبناء على ذلك، يُمكن القول إنّ العودة إلى سعر مبيع يبلغ 35,000 ليرة لبنانية لكل صحيفة بنزين في لبنان غير وارد أيضاً وفق المعطيات الحالية، على الرغم من أنّ الإحتكارات الإقتصادية والمالية على مستوى القطاع النفطي اللبناني تتسبّب بخفض الأسعار المحلّية ببطءٍ شديد بموازاة إنخفاضها العالمي السريع، بينما تقوم برفع هذه الأسعار بسرعة مُستغربة عند إرتفاعها عالمياً بشكل بطيء!

وعلى الأرجح أنّ سعر برميل النفط سيبقى يتراوح بين 55 و75 دولاراً أميركياً للبرميل الواحد لفترة زمنيّة طويلة نسبياً، وعليه فإنّ أسعار صفيحة البنزين في لبنان ستبقى تتراوح بين 24,000 و29,000 ليرة لبنانية للصفيحة الواحدة، علماً أنّ المواطن اللبناني يدفع نحو 7,000 ليرة من الضرائب والرسوم المختلفة عن كل صفيحة.