اربك تقدم تنظيم "داعش" كل المحاور في المنطقة. ما الذي يحصل؟ سؤال تردد بعد تمدد "داعش" نحو الرمادي عراقياً وتدمر سورياً. هل يكتفي التنظيم هنا؟ ام يوسّع انتشاره نحو الأردن لاحقاً ويهدد مصالح السعودية؟

الخطير ما يقال في العراق حول بيئة حاضنة للتنظيم الى درجة الحديث عن شرطة عراقية "عالمكشوف" في النهار هم دواعش ملثمون في الليل. قد يكون هذا الكلام ناتجاً عن حقيقة الضعف العسكري العراقي، وترويج شائعات عن ان أبناء الجنوب يتساءلون عن اسباب القتال ضد "داعش" في الأنبار، وما هي اهمية الدفاع عن مناطق العشائر بدل الانشغال بتحصين بغداد ومناطق الجنوب الغني بثرواته الطبيعية، ما يعني حكماً القبول بالتقسيم على قاعدة الكيانات المذهبية التي طرحها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن.

يعتقد هؤلاء ان الأميركيين انفسهم يسعون لتقسيم يمتد ما بين العراق وسوريا. دليلهم سماح الأميركيين للدواعش بالتقدم. كيف للتنظيم الإرهابي القدرة على الوصول الى ما بعد الرمادي على مرأى طائرات التحالف؟! كيف يصل الأميركيون الى "ابو سياف" الداعشي في دير الزور السورية بعد رصد مكان تواجده السري، والعجز بالمقابل عن ضرب أرتال السيارات العسكرية وقوافل "داعش" التي تسير نهاراً على طرق صحراوية مكشوفة امام الطائرات الاميركية؟

يستند اصحاب نظرية ان التقسيم قائم الى التحكم الميداني بالتمدد الداعشي. لا قدرة مثلاً للتنظيم على خرق مناطق الأكراد الواقعة ضمن اقليم كردستان رغم وجود ثروات طبيعية يسعى التنظيم الإرهابي للسيطرة عليها لتأمين التمويل. هنا رسم الأميركيون الخطوط الحمراء بمشاركة إيرانية تُرجمت بمساعدة الاقليم الكردي عسكريا.

ماذا عن سوريا؟ وكيف وصل "داعش" الى تدمر؟

طبيعة الجغرافيا ترسم معادلة "داعش" كدولة "العراق والشام". فالتنظيم نجح في ربط البادية السورية بالأنبار العراقية واصبح على مساحة واسعة مع الحدود الاردنية. التحالف الدولي نفسه الذي يخفق في ضرب "داعش" في العراق لم يستهدف أرتال "داعش" على الارض الصحراوية السورية ما بين دير الزور وتدمر وصولا الى اخر معبر بين العراق وسوريا على تماس مع المملكة الاردنية.

ماذا يريد "داعش"؟ هل الاكتفاء بما سيطر عليه؟ ام التمدد اكثر في الاتجاهين العراقي والسوري؟ هل يكون تمدده هذه المرة نحو الأردن؟

اثبتت نظرية البيئة الحاضنة فاعليتها، ما يعني ان التنظيم ماض في توسعه. لن يستطيع الوصول الى بيئة ترفضه او تعارض هواه وتوجهاته الدينية، ان كان في العراق او في سوريا. لكنه قادر بحسب التجارب على الوصول الى اي مساحة تتواجد فيها بيئة تحضن فكر وتوجهات التنظيم كما حصل في الرقة ودير الزور والموصل والأنبار...

وجود "داعش" في تدمر يتيح له التمدد بسهولة إما نحو الريف الحلبي والإدلبي حيث يتواجد مقاتلو "جيش الفتح"، او نحو غوطة دمشق وصولا أيضاً الى الجنوب السوري ليصبح على تماس اكبر مع الأردن، بينما الوصول الى حمص او القلمون دونه عقبات كبيرة، لان الأولوية ستكون شمالا او جنوبا حيث القدرة على التمدد ضمن بيئة حاضنة بشكل سريع ومن دون قدرة على مشاكسته. سينهي عمليا تنظيم "داعش" المجموعات المناوئة له، بالمبايعة قبل القتال. اثبتت محطات سابقة في شرق سوريا فاعلية التنظيم في جذب المقاتلين المتشددين.

كيف سيكون الرد على "داعش"؟

الولايات المتحدة الاميركية لن تتدخل عسكريا على الارض لا في العراق ولا في سوريا. اساسا ان دخولها البري هو فخ ينصبه المتشددون الدواعش لها كما يقول خبراء أميركيون استراتيجيون. بالمقابل يتحدث العراقيون او السوريون عن أن المعركة باتت اكبر من قدرة اي منهما منفرداً على الحسم العسكري. اما التدخل الإيراني عسكريا فيعني الضوء الاخضر للتدخل التركي في سوريا. جيش الأردن بالكاد يستطيع حماية المملكة الهاشمية من مخاطر التمدد الدواعشي المحتمل اليها. الأوروبيون عاجزون بعد تجارب صعبة في ليبيا ومالي أظهرت محدودية تأثيرهم. وعلى هذا الأساس تدخل المنطقة في السيناريوهات المفتوحة. فإذا رغب الأميركيون بتنفيذ مخطط التقسيم فإن القوة الاساسية اصبحت "داعش" مع مساحات جغرافية هائلة ونفط وثروات طبيعية وسهول زراعية وانهار مياه غنية كدجلة والفرات. واذا كانت الرغبة لضرب التنظيم فإن معارك الكر والفر مفتوحة لسنوات طويلة، قد لا تكون اراضي المملكة الاردنية وشبه الجزيرة العربية بعيدة عنها. فأينما وُجدت البيئة الحاضنة حلّ الدواعش.