في غمرة محاولة اشاحة النظر عن تصعيد يطاول الحكومة وامكان تعطيلها جرى التحضير الاعلامي والسياسي له طويلا تحت عنوان مطلب اجراء تعيينات امنية وليس فتح موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية تم ارسال وفود نيابية من التيار العوني الى سائر الكتل النيابية والشخصيات السياسية. فاتيح للتيار ان يطوي مرحليا موضوع التصعيد الذي تقول مصادرسياسية ان لاعبين دخلا على خطه : احدهما هو الديبلوماسية الاميركية التي نصحت بعدم رمي لبنان في المجهول وتحمل التيار الوطني تحديدا هذه المسؤولية في مرحلة حرجة جدا من تاريخ المنطقة وذلك نسبة الى لقاء عقده السفير الاميركي ديفيد هيل مع وزير الخارجية جبران باسيل غداة التحضير للخطوات التصعيدية. والثاني الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الذي لا يرى مصلحة لحزبه في اطاحة الاستقرار السياسي النسبي القائم راهناً. الا انه اتيح للتيار ايضا عبر الوفود التي جالت على الكتل النيابية والسياسيين ان يختتم السنة الاولى من الشغور الرئاسي بمجموعة استخلاصات تتمحور على ما اذا كانت المقاربة التي اعتمدها للموضوع الرئاسي خلال هذه السنة قد اثمرت ام لا. وهل ثمة تغييرات لمستها وفوده في مواقف الكتل السياسية ام لا ؟ وذلك على رغم ان الهدف لا يتركز على ذلك باعتبار ان زعيم التيار العوني يدرك جيدا ان الامور لا تزال على حالها.

فكل المعطيات التي توافرت عن اللقاءات التي عقدت تفيد بانه لم يطرأ اي تعديل على اي من مواقف الكتل السياسية في موازاة عدم زحزحة التيار عن مواقفه ايضا التي اعاد تجميعها في ورقة قدمها الى محاوريه. لم تتسم اللقاءات باي عدائية بل على العكس اذ اظهر الخصوم المفترضون للتيار كل ود وانفتاح لكن من دون التنازل عن المواقف المبدئية المعلنة. ففي مقابل اصرار الوفود العونية التي جرى تنسيق عضويتها لكي تتلائم مع محدثيها فلا تشكل استفزازا او تثير حساسية على منطق الرئيس المسيحي القوي وضرورة ان تكون هناك ارادة مسيحية في الرئاسة اللبنانية عارضين للاقتراحات التي تحدث عنها زعيم التيار العماد ميشال عون، كان ثمة اصرار في المقابل على ان الحرص على البلد ينسحب على ضرورة الحرص على مؤسساته وعدم تعطيلها وان الاقتراحات المطروحة انما تحتاج في تنفيذها الى الية لا يمكن ان تكون خارج الدستور او خارج الالية المتمثلة في الدولة والمؤسسات. وهذا ينسحب حكما على الاقتراحات التي تقدم بها العماد عون والتي حاول النواب في حاجتها الى تعديلات دستورية من دون ان يشرحوا كيفية حصول ذلك في ظل عدم اعتقاد سواهم بمثل هذه الامكانية. واذ لم يمانع احد في موضوع التعيينات الامنية التي كان يلوح الزعيم العوني بالتصعيد على أساسها انطلاقا من انه كان اخذ وعودا في شأنها تم التراجع عنها، فان المعادلة المعلنة هي التي تم تكرارها من ان احداً لا يمانع في اجراء التعيينات ولااحد يمانع في شخص العميد شامل روكز اساسا لكن يخشى ان تكون التعيينات في حال حصول التوافق في شأنها كما باتت عليه الحكومة تطبيعا مع واقع الفراغ بدلا من معالجته في الاساس فضلا عن عدم الرغبة في الالتفاف على صلاحيات تعود حصرا الى رئيس الجمهورية. وثمة نصائح بان الحملة الاعلامية والسياسية من اجل تعيين روكز يخشى ان تكون اضرت كثيراً به ويمكن ان تؤذيه في حال استمرارها بمعنى امكان نسبته الى طرف سياسي استقتل من اجل تعيينه قائدا للجيش وهدد بتعطيل الدولة من اجله، بما يمكن ان يقيد اي حركة مستقبلية له كقائد محتمل للجيش في حال اضطر الى تكرار خوض معارك على غرار معركة نهر البارد او صيدا او سواهما.

السؤال الاهم بالنسبة الى مهتمين هو ما اذا كان زعيم التيار العوني يستطيع من موقعه الزعيم الابرز لدى المسيحيين ان يفتح نقاشا مع كل الافرقاء الذين التقتهم وفوده من اجل محاولة الخروج من الازمة فيبادر الى اقتراح حلول جدية وليس اقتراحات تعجيزية على غرار التي سعى الى تسويقها منذ سنة من دون اي جدوى. فهذه اقتراحات للتعمية على انه قدم حلولا لم يأخذ بها الاخرون في حين ان النقاش يمكن ان يحصل بناء على الاقرار بالواقع الذي يستحيل في ضوئه راهنا واكثر من أي وقت مضى اتاحة وصول رئيس يعتبر انتصارا لفريق على آخر ليس محلياً بل اقليمياً ايضاً، هذا في حال سلمنا جدلا بامكان اجراء انتخابات رئاسية راهنا وان المسيحيين لا يزالون يمتلكون هذه القدرة. وهذا الكلام اسمع لبعض الوفود العونية. فالنقاش الاهم الذي قد يجد المسيحيون مصلحة فيه بدلا من المكابرة هو السعي الى كيفية المحافظة على لبنان وعدم انجراره الى ما تتعرض له المنطقة. اذ احدثت التطورات الدرامية المتسارعة خلال هذا الاسبوع والتي تمثلت في سقوط مدينة الرمادي العراقية وكذلك مدينة تدمر السورية في أيدي تنظيم الدولة الاسلامية صدمة على مستوى المقاربات المعتمدة حتى الان لمواجهة هذا التنظيم. وبدا الصراع المذهبي والاقليمي خصوصا في المنطقة متجها الى مراحل جديدة يتعدى اطار معارك الكر والفر التقليديين الى بعد استراتيجي بانعكاسات خطيرة يفترض ان يدفع الجميع في لبنان الى حتمية الهدوء وعدم التفريط بالبلد في هذه المرحلة خصوصا بالمسيحيين منهم. وما عدا ذلك يخشى ان يكون ترفا سياسيا في غير محله في ضوء مخاوف متعاظمة لدى اللبنانيين من هذه التطورات.