اين هي عرسال اليوم؟ من يهددها ويستبيحها؟

هل صحيح ان الخطر عليها هو من محاولة تحويلها الى مكسر عصيان لحزب الله كما «يغرد» الرئيس سعد الحريري، ام ان البلدة هي مكسر عصى منذ فترة غير قصيرة للمجموعات الارهابية المسلحة؟

ما لا شك فيه ان الجيش اللبناني استطاع في الاشهر القليلة الاخيرة ان يعزز ويوسع انتشاره على المرتفعات التي تشرف على عرسال، وبالتالي شدد السيطرة على المعابر من الجرود الى البلدة، الا ان ذلك لم يحل حتى الان دون اقدام مجموعات «داعش» و«النصرة» على خطف العديد من ابنائها بين الحين والاخر، او التحرك بحرية داخل البلدة.

من هنا فان قضية عرسال ليست مستجدة ولم تنشأ بعد معارك القلمون، لا بل ان الوضع يتفاقم فيها وحولها جراء خطر انتشار الارهابيين في جرودها والجرود السورية المحاذية لها، والتهديدات التي يطلقونها باجتياحها.

والى جانب خطر المسلحين الارهابيين المباشر يبرز ايضا تواجد عشرات الالاف من النازحين السوريين فيها ما يشكل عاملا اساسيا لتهديد الاستقرار ليس في البلدة فحسب بل ايضا في المنطقة، ويكفي الاشارة في هذا المجال الى توقيف عشرات الاشخاص من النازحين السوريين الذين ثبت تورطهم في الانتماء والعمل مع التنظيمات الارهابية.

واذا كان موضوع عرسال يطرح نفسه مجددا اليوم، فان السعي الى نزع فتيل هذه القنبلة بكل عناصرها بدأ منذ فترة على غير صعيد. ولعل ابرز المحطات ما حصل في احدى جلسات الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» في عين التينة قبل اندلاع الحرب في اليمن، فما هي الحكاية حتى اليوم؟

تقول المعلومات، وفق مراجع موثوقة ان قضية عرسال طرحت منذ حوالى الشهرين على البحث في احدى جلسات الحوار خلال البحث في الوضع الامني وسبل ضبط الامور في منطقة البقاع الشمالي لجهة نزع فتائل تهديد المجموعات الارهابية.

وتناول البحث مسألة تسرب الارهابيين وتوقيف العديد منهم قبل الجيش والقوى الامنية، وما اظهرته التحقيقات الاولية معهم لجهة تورطهم في التحضير لعمليات تفجيرية وغيرها.

واثار وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي يشارك في الحوار، موضوع كثافة عدد النازحين السوريين في عرسال والمخيمات المجاورة خصوصا ان عددهم بلغ ما يقارب السبعين او الثمانين الف نازح.

ووفقا للتقارير والمعلومات فان هذا العدد الكبير داخل البلد شكل ويشكل عنصرا اساسيا في تهديد الاستقرار الامني والاجتماعي، وبالتالي كان من الطبيعي ان يطرح المشنوق حلا لهذه المعضلة.

وتضيف المعلومات ان وزير الداخلية اقترح امام المجتمعين نقل النازحين السوريين من عرسال الى مناطق اخرى، وقوبل هذا الاقتراح بموافقة مبدئية من الجميع داخل الحوار. غير ان السؤال الذي طرح هو الى اين سننقل هذا العدد الكبير من النازحين؟ وكيف يمكن اختيار المنطقة الملائمة التي لن تشكل عبئا امنيا مماثلا في هذه المنطقة؟

وبعد نقاش اتفق المجتمعون على ان تعد وزارة الداخلية تقريرا مفصلا حول الموضوع بما في ذلك الامكنة المقترحة لنقل النازحين اليها، وان يأتي المشنوق بالتقرير في اقرب وقت لحسم هذا الموضوع. لكن اندلاع الحرب في اليمن وما رافقه من تداعيات وسجالات طغت على الساحة ثم جاءت حرب القلمون لتساهم ايضا في تأخر البت بهذا الموضوع.

وفي جلسة مجلس الوزراء يوم الاربعاء الماضي التي كانت مخصصة لمتابعة درس الموازنة بادر الوزر جبران باسيل الى اثارة قضية عرسال والتهديدات الناجمة عن تعاظم حظر الارهابيين، وداعليا الى انهاء الوضع وتحرير البلدة من هذا الخطر.

وتقول المعلومات ان الرئيس تمام سلام تصدى لهذا الطرح طالبا ترك هذا الموضوع اولا لان الجلسة مخصصة اساسا لدرس الموازنة، وثانيا لان طرح مثل هذه المواضيع في مجلس الوزراء يعود له.

وفي اليوم الثاني اي اول امس صودف انعقاد جلسة عادية لمجلس الوزراء، فبادر وزير التربية الياس بو صعب (في غياب الوزير باسيل) الى اثارة قضية عرسال من جديد فما كان من الرئيس سلام ان رد بالجواب نفسه، وبدا واضحا ان هناك اعتراضات قوية لبحث هذا الموضوع في الجلسة من قبل وزراء «المستقبل» والاشتراكي والكتائب واخرين. ووفقا للمعلومات فان الوزير بو صعب الذي زار عين التينة في اليوم نفسه، اثار هذا الموضوع مع الرئيس بري الذي لفت الى ان هذه المسألة الحساسة من الافضل ان تبحث في اجتماع للمجلس الاعلى للدفاع برئاسة الرئيس سلام، واذا كان هناك اعتراض على اجتماع المجلس بسبب غياب رئيس الجمهورية يمكن الاستعاضة عنه باجتماع امني رفيع يترأسه رئيس الحكومة وتنقل مصادر مطلعة عن الرئيس بري قوله في هذا المجال ان الجيش يقوم بمهامه وهو يؤكد انه يمسك بزمام الأمور في المنطقة وعينه عشرة عشرة، لكن متابعة الوضع وقضية هذا العدد الكبير من النازحين السوريين في عرسال مسألة مهمة، وأنا شخصياً انوي القيام بما يلزم للمتابعة والعمل على ايجاد الحلول المناسبة التي تؤدي الى معالجة هذا العبء الكبير على البلدة لتأمين سلامة اهلها، وتأمين ظهر الجيش والاستقرار العام.

وتضيف المصادر نقلا عنه ايضا قوله انه اول من أثار خطر انتشار المجموعات الارهابية التكفيرية في جرود لبنانية أكان في عرسال او في مناطق اخرى، وانه اكد ويؤكد مرارا على حق الدفاع عن كل شبر من الاراضي اللبنانية أكان محتلا من العدو الاسرائيلي او محتلاً ومهدداً من الارهابيين. وفي مثل هذه الحال فان حق دفاع اللبنانيين عن الارض هو حق مقدس تقره كل الاعراف والقوانين، من هنا تبرز معادلة الجيش والشعب والمقاومة الذي عاد واكد عليها في بيانه الاخير بمناسبة عيد المقاومة والتحرير بقوله «انه بات من الملح ان يقتنع الجميع بمفاهيم المقاومة الموحدة حول حماية حدودنا، وان الحدود هي حدود الوطن وليست حدود اي طائفة او مذهب، وان نكون موحدين في المقاومة وحولها ونبني مجتمع المقاومة لحماية حدودنا المائية وثرواتنا الطبيعية ومنع العدو من استغلالها وكذلك لحماية حدودنا الشرقية والشمالية من الارهاب التكفيري الذي يهدد وطننا ومواطنينا ومواطنتنا».

من هنا يرى الرئيس بري ايضا ان هذا الواقع والحق في الدفاع عن الارض والخطر المحدق بالبلد يفرض نفسه، وبالتالي تصبح بعض التوصيفات لهذه المعادلة الواقعية مثل عبارة «المعادلة الخشبية» او عبارة «المعادلة التنكية» وغيرها في غير محلها ولا مكان لها.

ولأن الوضع في المنطقة من سيئ الى اسوأ يرى بري ان من واجبنا ان نفكر ببلدنا اكثر وان نسعى جميعا الى تحصين وضعنا واستقرارنا والدفاع عن كياننا، واننا للأسف نحن لم نفعل ذلك ولم نفكر في بناء دولتنا على اساس الانتماء الوطني اللبناني بقدر ما ذهبنا الى البناء على اساس الفئوية والمناطقية والمذهبية بطريقة قبلية ضيّقة.