بعد جهود مضنية ومفاوضات شاقة استمرت حتى اللحظات الأخيرة من انتهاء المهلة الثانية والأخيرة الممنوحة له أعلن رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتانياهو عن تشكيل حكومة جديدة حظيت بثقة ضئيلة بلغت 61 صوتا مقابل معارضة 59 صوتا الأمر الذي جعل من هذه الحكومة اليمينية ضعيفة التمثيل وفي حال لم تتمكن من توسيع قاعدتها بضم كتل جديدة فإن قدرتها على الاستمرار فترة طويلة سيكون صعبا وحكمها سيكون محفوفا بعدم القدرة على اتخاذ القرارات المصيرية التي تحتاج الى تأييد أوسع بكثير من التأييد الذي تحظى به حالياً.

ولهذا وصفت الصحافة الاسرائيلية وضع نتانياهو بعد تشكيل الحكومة وحصولها على الثقة بالقول: «لا يملك (نتانياهو) اليوم حكومة يستطيع أن يتفاخر بأنها قادرة على تحقيق أي شيء.

فالخلافات في داخلها أعمق من أن تجد حلولا قريبة لها. والمصاعب التي تواجه الاقتصاد الاسرائيلي تتزايد وربما تتفاقم بسبب الخلافات السياسية التي قد تواجه اسرائيل في الحلبة الدولية. وعلى رغم أن نتانياهو يدعو الى توسيع الحكومة، الا أنه يعلم أن هذا يتناقض مع هدفه بتوفير حكومة أكثر انسجاما. كما أن ردود الفعل الأولية التي ظهرت خصوصا من المعسكر الصهيوني و«هناك مستقبل» تجعل احتمالات تشكيل حكومة وحدة وطنية بعيدة المنال. والخيار الوحيد لتوسيع الحكومة هو الضغط أكثر باتجاه اعادة أفيغدور ليبرمان وحزبه، «اسرائيل بيتنا»، الى الائتلاف. وقد يكون ابقاء منصب وزير الخارجية شاغرا أحد الاغراءات الباقية لدى نتانياهو، ليس من أجل جر المعسكر الصهيوني وانما من أجل جر ليبرمان».

هذا الوضع يعكس بدقة حالة نتانياهو الذي ربح في الانتخابات لكنه لم ينجح بالحصول على الغالبية التي تمناها من اجراء انتخابات مبكرة توفر له القدرة على الحكم من دون أن يكون أسيراً للتجاذبات السياسية.

غير انه ليس هذا العامل الوحيد الذي يجعل حكومة نتانياهو الجديدة تعاني من الضعف وتواجه مخاطر التعرض لمصاعب في اتخاذ القرارات بسبب ضيق تمثيلها والتجاذبات بين مكوناتها السياسية المتعددة، وانما أيضا بسبب قوة المعارضة التي ستواجهها في الكنيست من ناحية، وتوقع عودة التوتر في العلاقات مع الادارة الأميركية بعد الانتهاء من التوقيع على الاتفاق النووي مع الجمهورية الاسلامية الايرانية في نهاية يونيو المقبل من ناحية ثانية، والمترافق مع اشتداد الضغوط الأوروبية على نتانياهو وارتفاع منسوب المقاطعة الأوروبية لمنتجات المستوطنات الاسرائيلية، رداً على الايغال في سياسات الاستيطان والتهويد وتقويض فرص استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

لكن هل يتمكن نتانياهو من الخروج والفكاك من هذا المأزق الداخلي والخارجي ؟

الواضح أن نتانياهو يسعى الى الخروج من هذا المأزق من خلال العمل على عدة خطوط:

أولا: توسيع المشاركة في الحكومة عبر اقناع ليبرمان بالعودة للمشاركة واخذ حقيبة الخارجية التي بقيت بعهدة نتانياهو، وذلك لتأمين قاعدة يمينية أوسع ومنسجمة في المواقف السياسية.

ثانياً: في حال استمر ليبرمان في الرفض فإن احتمال أن يشرع نتانياهو في مفاوضات مع المعسكر الصهيوني لاقناعه بالمشاركة والحصول على عدة حقائب ومنها الخارجية، لتتحول الحكومة الى حكومة وحدة وطنية تملك قاعدة تمثيلية واسعة تؤمن استقرارها واستمرارها لفترة زمنية طويلة، وليس صدفة أن زعيم المعسكر الصهيوني اسحق هرتسوغ رفض في اجتماع كتلته، اقتراح عمير بيرتس بالتصويت على مشروع قرار يرفض أي مفاوضات مستقبلية مع نتانياهو. وليس صدفة أن هرتسوغ لم يلق خطابا ناريا ضد «حكومة اليمين المتطرف قصيرة العمر». ويبدو أن هذا الاحتمال سوف يكون مرجحا اذا ما شعر نتانياهو بأنه سيكون عرضة للابتزاز من الكتل اليمينية المشاركة في الحكومة على غرار الابتزاز الذي مارسته في مشاورات تشكيل الحكومة، خصوصا أن انضمام المعسكر الصهيوني للحكومة سوف يوفر غطاء أميركيا وأوروبيا لها، ويضع حداً للتوتر في العلاقات الأميركية الاسرائيلية.

ثالثاً: أما الخط الثالث فهو الاتجاه نحو تلقف مبادرة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التي قلصت فيها الشروط لاستئناف المفاوضات على نحو يوفر لـ نتانياهو الفرصة لقبولها بهدف التخلص من الضغط الأميركي الأوروبي والعزلة العالمية والتعرض لعقوبات متوقعة أن تفرض على اسرائيل، وبالتالي تلميع صورته الدولية بعد أن ضرب بعرض الحائط مناشدات حلفائه بوقف الاستيطان أو تجميده في القدس والضفة الغربية، ورفض أن يكون ذلك شرطا مسبقا لاستئناف المفاوضات وتحديد أجل زمني لها للتوصل الى اتفاق نهائي بشأن قضايا الحل النهائي(القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية والحدود، والعلاقات والتعاون مع الدول الأخرى)

ويبدو أن مبادرة عباس تشكل قارب النجاة لـ نتانياهو الذي يعاني من مأزق كبير في الداخل والخارج وبحاجة الى من ينقذه ويخرجه من هذا المأزق ، فهذه المبادرة تنص على «تجميد الاستيطان، والافراج عن الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، والدخول في مفاوضات متواصلة لمدة عام تنتهي بتحديد جدول زمني لانهاء الاحتلال حتى نهاية العام 2017»،

وهذا يشير بوضوح الى تجنب عباس وضع شروط لن يقبل بها رئيس الحكومة الاسرائيلية مثل: الاستعداد لانهاء الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 67، ووقف المخططات العدوانية والعنصرية في القدس، ورفع الحصار عن قطاع غزة ووقف العدوان عليه. وربط استئناف المفاوضات بصدور قرار من مجلس الأمن يحدد سقفًا زمنيًا لانهاء الاحتلال، ولا أن تعقد في اطار مؤتمر دولي وعلى أساس القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

ولهذا فقد وصفت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية، مبادرة محمود عباس بالـقول «ان الشروط اللينة التي طرحها عباس لاستئناف المفاوضات لا تبدو عالية جدًا حتى لنتانياهو، الذي يمكنه أن يوافق على اطلاق سراح أسرى، وعلى صيغة ما من تجميد الاستيطان، وعلى مفاوضات متواصلة لمدة سنة مع الهدف المجرد (انهاء الاحتلال حتى العام 2017)»، مؤكدة أن «من شأن أي استئناف للعملية السلمية أن ينزل ضربة قاضية بكل من يتمنون الشر لنتانياهو«.

هكذا يبدو من الواضح أن السلطة الفلسطينية قد تخلت عن كل ما طرحته مؤخرا من السعي لوقف التنسيق الأمني واللجوء الى رفع دعاوى أمام محكمة الجنايات الدولية بعد الانضمام اليها، لمواجهة الهجمة الاستيطانية الصهيونية، ورفض الحكومة الاسرائيلية التخلي أو التراجع عن مخططاتها لتهويد القدس وتحويلها الى عاصمة موحدة لدولة اسرائيل وشطب حق العودة، وعادت السلطة وقبلت بتخفيض سقف شروطها لتصبح مقبولة اسرائيلياً، بما يؤشر الى أن استمرار وجود السلطة هو بمثابة نعمة لاسرائيل سياسياً وأمنياً، في حين أن هذه السلطة لا تقوى على الذهاب يعيداً في انتهاج سياسات تعتبرها «اسرائيل» خطاً أحمر ممنوع على السلطة أن تتجاوزه والاّ واجهت العقاب الاسرائيلي بحرمانها من دفع أموال الضرائب ومن الامتيازات التي يتمتع بها مسؤولوها.

في ضوء كل ذلك ألا يصح القول إن اتفاق أوسلو كان شركاً اسرائيلياً استدرجت اليه منظمة التحرير وباتت سلطتها الهجينة أسيرة فيه لا تستطيع الخروج منه الاّ اذا قررت حل نفسها وتخلي قادتها عن وهم الحصول على دولة فلسطينية عبر استجداء المحتل وكسب وده وتقديم شهادات حسن السلوك التي يجري تقديمها منذ توقيع أوسلو عام 93 من دون أن تقنع الاسرائيلي بالتراجع قيد أنملة عن مواصلة مشروعه الصهيوني القاضي باستكمال السيطرة على فلسطين وتصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وتحويل وجوده على أرضه الى مجرد أقلية في ظل نظام صهيوني عنصري.