لا تأبه قيادة الجيش كثيرا لـ"خطوط حمراء" قد يظن هذا أو ذاك أنّه يرسمها بوجهها لمنعها من التعامل الصارم مع الارهابيين الذين يحتلون أراض حدودية لبنانية شرقي البلاد، حتى انّها لا تنتظر قرارا حكوميا بفتح معركة كبيرة على هؤلاء طالما أن حربها ضدهم مفتوحة أصلا ومنذ مدة طويلة وبدعم سياسي محلي ودولي.

فليس العتاد الأميركي المخصص لمواجهة الارهاب على الحدود والذي يواصل العسكريون مهماتهم التدريبية عليه، ولا أبراج المراقبة التي ساهمت بريطانيا بانشائها في رأس بعلبك الا مؤشرات لمستوى الدعم الدولي الذي يتلقاه لبنان والمؤسسة العسكرية للتعاطي الصارم مع المجموعات المسلحة التي تمادت بعد اختطافها أكثر من 22 عسكريا لبنانيا في آب الماضي بترويع أهالي عرسال وقتل العديد منهم واختطاف العشرات طلبا للأموال.

واذا كان بعض من في الداخل يجهل أو يتجاهل حجم الخطر المتربص على الحدود وحتى داخل الاراضي اللبنانية، والذي يهدد بسريان سيناريو الرمادي وتدمر وغيرها من المناطق السورية والعراقية على بلدات وقرى لبنانية، فان قيادة الجيش تعي تماما مدى حدة المواجهة القائمة لذلك لا تجد نفسها متفرغة لمتابعة سجالات سياسية داخلية ذات خلفيات مذهبية وطائفية يهدد أصحابها باغراق البلد بالفوضى في حال كان هناك من يدير لهم آذانا صاغية.

ويبدو أن الحل السياسي يسابق الحل العسكري لأزمة مسلحي الجرود، اذ ينكب أكثر من طرف داخلي على مشاورات مع قطر وتركيا والسعودية لاقناع هؤلاء المسلحين بالانسحاب من المناطق اللبنانية الحدودية المحتلة باتجاه مناطق سيطرتها داخل سوريا، من خلال ممر أصبح عمليا موجودا يمتد من جرود رأس بعلبك باتجاه قارة فالقلمون الشرقي وصولا لريف حمص أو ما يُعرف بالبادية السورية، وقد سلك عدد من عناصر "داعش" هذا الممر تحت أنظار عناصر "حزب الله" وقوات النظام السوري الذين يرحبون بحل مماثل للأزمة السابق ذكرها.

وقد لا يجد باقي المسلحين المتمركزين في الجرود قريبا حلا آخر لهم الا سلوك هذا الممر، مع استمرار عمليات ​الجيش اللبناني​ الهادفة لتحرير مناطق تعتبرها القيادة "مناطق لبنانية محتلة". وتقول مصادر أمنية في هذا الاطار: "الجيش يشن عمليات يومية على مواقع المسلحين وهو نفذ يوم أمس الجمعة عملية استهدفت بـ30 قذيفة منطقة وادي الخيل محققا اصابات مباشرة بصفوف الارهابيين".

وأوضحت المصادر أن "الجيش لا ينتظر ضوءا أخضر سياسيا للتصدي لهؤلاء المسلحين الموجودين داخل الاراضي اللبنانية منذ ما قبل معركة القلمون" لافتة الى ان "عدد الذين فروا من هذه المعركة الينا ليس بكبير كما يجري تضخيمه عبر وسائل الاعلام". واضافت: "الكثير من العمليات العسكرية في المنطقة الحدودية لا يتم الاعلان عنها، لكن الجيش يتعاطى وبصرامة مع المسلحين الذين يحتلون أراض لبنانية ولن يتأخر باستهداف مواقعهم وقواعدهم العسكرية والأماكن التي أعدوها لتفخيخ السيارات والموجودة كلها داخل أراضينا".

وتشير المصادر الأمنية الى ان "الوضع الدقيق الذي كانت ترزح تحته عرسال في آب الماضي والذي دفع بعض أهالي البلدة للانضمام لصفوف المسلحين بقتال الجيش، تغير تلقائيا بعد امعان هؤلاء الارهابيين بالاشهر الماضية بالاعتداء على أهالي البلدة اللبنانية واختطافهم وقتلهم وسرقتهم". واضافت: "اليوم اهالي عرسال يطلبون الحماية من الجيش وهم سيقفون الى جانبه في اي مواجهة مقبلة مع الارهابيين".

وتشدد المصادر على ان "الجيش ومنذ اندلاع الازمة السورية يلتزم السقف الذي حدّدته الحكومة اللبنانية، وهو سيستمر بالالتزام به وبكل ما تقرره لجهة كيفية التعاطي مع الوضع على الحدود".

وفيما يصر مطلقو هاشتاغ #عرسال_خط_أحمر على انّه موجه ضد "حزب الله"، تستغرب مصادر متابعة الحملة في هذا السياق، باعتبار أن الجميع يعي تماما أن آخر ما يريده "حزب الله" الدخول الى عرسال وجرودها تفاديا لاشعال الفتنة السنية–الشيعية في لبنان.

بالمحصلة، وبانتظار أن يحسم المسلحون المتمركزون داخل الجرود اللبنانية قرارهم بخوض المعركة بوجه الجيش أو الانسحاب، قد يكون من الأجدى في مكان تناسي أن عرسال بلدة ذات أكثرية سنية والتعاطي معها كبلدة لبنانية تستضيف ضعف عدد سكانها من اللاجئين السوريين الذين أنهكوها على المستويات كافة، والانطلاق بالبحث عن حلول للتخفيف عنها أمنيا وانسانيا واجتماعيا بدل المتاجرة المذهبية بأزمتها.