بات يوم 25 ايار محطة سنوية فقدت شيئاً من هالتها بسبب الاحداث الاخرى التي فرضت نفسها على لبنان في الفترة الاخيرة. فالانسحاب الاسرائيلي من لبنان، وباعتراف الاسرائيليين انفسهم، لم يأت "كرمى لعيون اللبنانيين"، انما اتى وفق حسابات اسرائيلية خاصة لم تتطابق مع حسابات البيدر اللبناني.

رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك، أحد "ابطال" الجيش الاسرائيلي في صباه، الذي خفت نجمه حالياً، اطلق تصريحاً مهماً حمل تفسيراً منطقياً لمسألة وجود "حزب الله"(1). بداية، عمل "حزب الله" كميليشيا مسلحة غير منظمة، وكان يضرب شمالاً ويميناً للتشديد على ان مقاومة اسرائيل موجودة، واعطى صورة غير صحيّة عن اهدافه وتطلعاته.

ومع الوقت، اكتشف الحزب انه عليه تغيير طريقته، وترتيب بيته الداخلي ليصبح اكثر تنظيماً وبالتالي فعالية، فأعاد تصويب البوصلة وزاد من التدريبات وبدأ مسيرة اكتساب الخبرة العسكرية والتقنية، وبدأ يوجه ضربات موجعة لاسرائيل وما سمي بـ"جيش لبنان الجنوبي". وبعدها بسنوات، بدأت النظرة تتغير نحوه، والاهم ان اسرائيل باتت تنظر اليه بعين التهديد الجدي لها.

تصريح باراك الاخير اتى ليثبت ان ما كان يقوله الحزب اواخر التسعينات ومع بداية الالفية الجديدة من ان وجوده كان بسبب الاحتلال، هو امر صحيح. فما قاله باراك يعني ان اسرائيل باحتلالها لبنان هي التي انجبت "حزب الله" وعمليات المقاومة ضدها، وانها حاولت وأده عام 2000 الا ان الوقت كان قد تأخر على ذلك.

استنتاج اسرائيل انها السبب الرئيسي لولادة المقاومة اللبنانية، دفعها الى تغيير الاستراتيجية فانسحبت للتقليل من خسائرها، ولكنّ "حزب الله" كان قد بدأ مسيرة النمو ولم يعد من الممكن ايقافها. ومن خلال تصريحه هذا، يبدو وكأن باراك يتوجه الى الاسرائيليين بالقول ان الانسحاب كان "اهون الشرّين" بالنسبة الى القيادة الاسرائيلية في حينه.

اليوم، وبعد 15 سنة على الانسحاب الاسرائيلي، يمكن اعتبار كلام باراك بمثابة تحذير لـ"داعش" واخواتها في الارهاب، ليس من "حزب الله" فحسب، بل من جميع اللبنانيين. ويمكن القول انه على الرغم من تعاطف البعض مع هؤلاء الارهابيين، وعلى الرغم من وجود بيئة حاضنة لهم في بعض المناطق اللبنانية، فإنهم سيتحمّلون مسؤولية ما سيحصل لهم عندما يتعزّز "حزب الله" من خلال التفاف شرائح كبيرة من اللبنانيين حوله وفي مقدمهم الطائفة المسيحية.

ولعل ما ذكره الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله بالامس حين توجه الى المسيحيين بالسؤال عمّن سيحمي كنائسهم ونساءهم من خطر "داعش"، كفيل بتوضيح مدى الاستعداد اللبناني للوقوف الى جانب "حزب الله" في مواجهة الخطر الداهم الحاضر. يكاد التاريخ يكرر نفسه، اذ تم استبدال اسرائيل بـ"داعش" واخواتها حالياً، الا ان الفارق الاهم هو انه في الثمانينات كان "حزب الله" في بداية تكوينه، فيما هو اليوم قوة اقليمية يحسب لها حساب باعتراف اسرائيل اولاً، والقوى الاقليمية والدولية بعد تدخله العسكري في سوريا ثانياً.

لسان حال اسرائيل اليوم لـ"داعش" ينطبق عليه المثل اللبناني الشعبي القائل: "ما متت، ما شفت مين مات؟"، وكأنه بمثابة تحذير من ان كل ما تقوم به اليوم "داعش" واخواتها في الارهاب، قامت به اسرائيل سابقاً، وهي وصلت الى خلاصة مفادها ان الانسحاب هو اقل الاضرار الممكنة لها، وهي كانت في مواجهة الحزب اما اليوم فالارهابيون في مواجهة الحزب والجيش اللبناني وغالبية اللبنانيين الذين لن يتوانوا عن اظهار مدى استعدادهم للذهاب الى حيث تدعو الحاجة من اجل التخلص من الخطر الارهابي.

في العام 2000 انسحبت اسرائيل الى الحدود، اما في العام 2015 فإلى اين سينسحب الارهابيون اذا ما حاولوا استفزاز قفير النحل اللبناني؟

(1)بتاريخ 23/5/2015 اعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك في مقابلة للقناة الأولى العبرية، أنّ "حزب الله" هو "ثمرة وجود الجيش الإسرائيلي في لبنان طوال سنوات، وهو ليس كما يرى بعضهم ثمرة انسحاب الجيش الاسرائيلي من الأراضي اللبنانية".