"مخطئ من يظن أن بإمكانه استخدامي في حربه ضدّ (النائب) سامي (الجميل)"..

هي عبارة قالها النائب ​نديم الجميل​ قبل أشهرٍ، في عزّ "الخلاف" بينه وبين ابن عمّه النائب ​سامي الجميل​، يوم بدأت تتسرّب الأخبار عن انتقال رئاسة الحزب إلى الأخير، وتأسيس الأول لـ"معارضةٍ" غير مسبوقة ضدّه..

لكنّ الظنّ بحدّ ذاته لم يعد ممكنًا اليوم، فالنائبان الشابان طويا صفحة وفتحا أخرى، سيكون عنوانها "التعاون والتكامل"، بغضّ النظر عن كلّ التفاصيل والخلفيات والحيثيّات، المحيطة بالمؤتمر العام للحزب المقرّر في شهر حزيران المقبل.

"مساكنة تحت سقفٍ واحدٍ"؟!

نُسِجت الكثير من الروايات خلال الأسابيع الماضية حول العلاقة بين سامي ونديم الجميل. اعتبر كثيرون أنّ المؤتمر العام المرتقب للحزب سيكون "النقطة الفاصلة"، بل إنّه سيضع حدًا لـ"المساكنة" التي تجمعهما تحت سقفٍ كتائبيٍ واحدٍ. بحسب هؤلاء، فإنّ وصول سامي لرئاسة الحزب، كما هو متوقّع، سيُخرِج نديم عن طوره، وذهب البعض لحدّ القول أنّ الأخير سيعلن "الطلاق" مع الحزب المسيحي العريق، وصولاً لتقديم أوراق انتسابه لـ"القوات اللبنانية".

ذهبت هذه الروايات مع الريح، لتتقدّم عليها رواياتٌ مناقضة لها حول "صلحةٍ" تمّت بين ابني العمّ. هنا أيضًا، حُكي الكثير. حُكي عن جهودٍ استثنائية وماراتونية بذلها الرئيس السابق ​أمين الجميل​ لتحقيق هذا الهدف. حُكي عن وعودٍ قُطِعت في الصالونات الضيّقة، وعن مقايضاتٍ وُضِعت على الطاولة. أكثر من ذلك، قيل أنّ نديم "سيبايع" سامي، على أن "يخلفه" عند انتهاء ولايته.

كلّها رواياتٌ من نسج الخيال ولا أساس لها، تجزم مصادر مطلعة داخل حزب "الكتائب". هي تكشف أنّ "الصلحة" حصلت فعلاً، ولكنّها تفضّل وصفها بـ"الصفحة الجديدة"، لأنّ الاختلاف السابق كان في وجهات النظر لا أكثر ولا أقلّ.

تعاونٌ وشراكة وتنسيق...

تروي المصادر هنا أنّ نحو ثلاثة أو أربعة اجتماعاتٍ عُقِدت بين النائبين الكتائبيين خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، حصلت خلالها "مصارحة تامة"، حيث تمّ تقييم أداء الحزب خلال الآونة الأخيرة، ووُضِعت الملاحظات المختلفة على الطاولة، وأدلى الرجلان بدلوهما حول رؤيتهما المستقبلية لمسار الأمور وكيف يجب أن تكون.

وبعيدًا عن الصورة "المبالَغ بها" التي كانت تظهر للخارج، تبيّن بنتيجة هذه الاجتماعات أنّ سامي ونديم الجميل متفقان أكثر ممّا هما مختلفان، بل إنّهما متفقان على تسعين بالمئة من المسائل الحزبية، كما تؤكد المصادر، مشيرة إلى أنّهما اتفقا بناءً على ذلك على آلية عمل ستجمعهما خلال المرحلة المقبلة تقوم أساساً على التعاون والشراكة والتنسيق.

أما المفارقة في الموضوع، كما تؤكد المصادر، فهي أنّ الرئيس أمين الجميل، وبخلاف كلّ ما قيل، لم يكن على علمٍ بهذا الموضوع من ألفه إلى يائه، وتقول في هذا الإطار: "الأكيد أنّ سامي ونديم الجميل هما شابان راشدان، وليسا بحاجة لوصيّ عليهما كالجميّل الأب حتى يلتقيا ويتصارحا، بل أكثر من ذلك، فهو تفاجأ بالنتيجة التي توصّلا إليها، والتي لم يكن يتوقعها نهائياً".

نظامٌ انتخابيٌ متقَن..

تقول المصادر أنّ الاتفاق تمّ، بغضّ النظر عمّا إذا كان النائب سامي الجميل "سيرث" والده أمين في رئاسة الحزب أم لا. أصلاً ترفض هذه المصادر استخدام عبارة "وراثة" لأنّها لا تمتّ للواقع بصلة، على حدّ تعبيرها، باعتبار أنّ أحدًا لا يرث أحدًا، والعملية هي عملية انتخابية أولاً وأخيراً.

تشرح المصادر هذه الفكرة من خلال العودة لنظام حزب "الكتائب" منذ الخمسينات حتى اليوم، والذي يقوم على عقد مؤتمر عام كلّ أربع سنوات، بدليل أنّ المؤتمر العام الذي يستعدّ له هذه الأيام يحمل الرقم 30، علماً أنّه من الممكن أن يُعقَد مؤتمرٌ استثنائي بين مؤتمرين عاديين، من دون أن يؤثر على المؤتمر الأساسي، الذي يبقى في موعده.

في هذا المؤتمر، تحصل مناقشة سياسية للتطورات والمستجدات، على أن تصدر عنه توصيات سياسية وتقييم إداري وتعديلات للنظام الداخلي اذا تطلب الامر، تقول المصادر، التي تصف هذا المؤتمر بأنه السلطة العليا بالحزب، كونه هو الذي يضع الخط السياسي للحزب، ويعدل النظام العام، وينتخب القيادة الحزبية. وتلفت إلى أنّ المؤتمر يتكوّن من نحو 400 شخص، 60 أو 70 منهم تقريبًا هم رؤساء الأقاليم والمصالح والمجالس والندوات، إضافة إلى المكتب السياسي الذي يتألف من 28 عضوًا، ورئيس الحزب، ونائبيه، والأمين العام، إضافة إلى المندوبين المنتخبين من قبل الكتائبيين، وهؤلاء يساوون أربعة أضعاف المعيّنين.

وتلفت المصادر إلى أنّ كلّ كتائبي منذ أكثر من سنة يحق له الاستحصال على بطاقة انتخابية تخوّله انتخاب المندوبين، الذين يتمّ تقسيمهم على الأقاليم بحسب عدد الكتائبيين في كلّ إقليم، على أن ينتخب هؤلاء مندوبيهم على قاعدة one man one vote، وهو ما يسمح بتمثيل كلّ أعضاء الحزب بمن فيهم الأقليات بشكلٍ أو بآخر. وفي النهاية، يقوم الأعضاء الـ400 الذين يتألف منهم المؤتمر بانتخاب 29 عضو مكتب سياسي بالتصويت الأكثري، كما ينتخبون الرئيس ونائبيه، وكذلك الهيئة العليا للرقابة التي هي مستقلة عن المكتب السياسي وعن الرئيس وتُعنى بمراقبة آلية الحزب، فضلاً عن مجلس الشرف الذي هو محكمة الحزب.

الحسم خلال أسبوع!

من هنا، تخلص المصادر إلى أنّ لا "وراثة" بالمعنى الحرفي داخل حزب "الكتائب". هي تقول أنّ النائب سامي الجميل لم يحسم قراره بعد بشكل نهائي لناحية الترشح، وإن كان يميل إلى ذلك، وأنّ القرار النهائي سيُتَّخَذ خلال أسبوع. ولكنّ "حسم" الأخير لقراره لن يكون نهاية المطاف، فمع إدراك الجميع لقوّته داخل الحزب، لا أحد يمكن أن يتكهّن بردّة فعل الكتائبيين إزاء ترشيحه، ومن يمكن أن ينافسه على الرئاسة، خصوصًا أنّ الرئيس الجميل فتح المجال لمن يرغب ولم يفرض شيئاً.

يبقى أنّ النائب نديم الجميل لا يحقّ له بالترشح في هذه الدورة، لأنّ نظام الحزب يسير على مبدأ الأقدميّة، ومن يريد أن يترشح للرئاسة يجب أن يكون قد ناضل في صفوف الحزب لـ15 سنة بالحدّ الأدنى، إلا في حال تمّ تعديل هذا النظام خلال المؤتمر علمًا أنّ المصادر تؤكد أنّ نديم الجميل أصلاً لم يطلب مثل هذا الأمر نهائياً.

سامي ونديم الجميل اتفقا إذاً، والأخير "سيبايع" الأول رئيساً للحزب على هذا الأساس. فهل يصمد الاتفاق كما يرغب جانباه، أم أنّ المناكفات ستعود عند أول استحقاقٍ بما يسيء للحزب أولاً وأخيرًا؟!