سيغادر النواب المسيحيون في قوى الرابع عشر من آذار ظهر اليوم الصرح البطريركي كما دخلوه، متسلحين بالقناعة التالية: "الهدف السياسي الذي جئنا لأجله في الذكرى السنوية الأولى للشغور الرئاسي تحقق، وها نحن الحقنا خسائر سياسية عدة بفريق الثامن من آذار، وبتكتل التغيير والإصلاح لا سيما رئيسه، المرشح الأبرز الى رئاسة الجمهورية". وقد يذهب البعض منهم أبعد من ذلك في قناعاته وإستنتاجاته، وصولاً الى حدود القول "إن سيد ​بكركي​ راضٍ عن كل كلمة أدلينا بها عن منبر الصرح، ولو لم يكن كذلك لما إستقبلنا".

هي ليست محاكمة على النوايا، أو تحليل شخصي، بل كل ما في الأمر أن الأوساط الروحية البارزة أرادت إستباق التصريحات التي ستصدر عقب هذه الزيارة لتوضيح أكثر من نقطة أبرزها:

أولاً- لطالما قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي إن أبواب الصرح مفتوحة أمام الجميع، وبالتالي إذا إستقبل فريقاً سياسياً من طرفي الصراع في لبنان فذلك لا يعني أبداً أنه لن يستقبل غداً أو في الأيام المقبلة خصم هذا الفريق، وفي الإستقبالين لن يتبنى موقف أيّ من الفريقين. لبكركي مواقفها المبدئية من القضايا الرئيسية والثانوية، مواقف لا تراعي هذا الفريق أو ذاك ولا تتأثر بهذا الفريق أو ذلك.

ثانياً – حتى لو أن البطريرك الراعي يصر في كل مناسبة على ضرورة أن ينزل النواب الى البرلمان، وينتخبون رئيساً، إلا أنه سبق أن مرّر بحسب الأوساط الروحية البارزة في أكثر من مرة سابقة لقيادات الفريق الذي يزوره اليوم، إن بكركي تفضل عدم إنتخاب أي رئيس، أي من خارج الذين يمثلون المسيحيين، لأن موقع رئيس الجمهورية بعد الطائف بات يحتاج الى رئيس قوي بعدما نزع الدستور الجديد منه صلاحياته وأعطاها لرئيس الحكومة. هذا الموقف الحساس، لا يقوله الراعي في العلن لكنه حظي بأكثرية في الإجتماعات الشهرية لمجلس المطارنة الموارنة، وإذا كان المقصود عدم نشره مكتوباً في بيانات مجلس المطارنة فلسبب واحد هو عدم استثماره من قبل الفريق الذي ينادي برئيس قوي، وكي لا يُفهم بأن بكركي لا تريد حصول الإنتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن قبل التوصل الى إتفاق على رئيس قوي.

هذا في الرئاسة، ولكن أبعد منها ليس بكثير وبإستحقاق لا يقل أبداً عن الإستحقاق الرئاسي، لا تنسى بكركي بحسب أحد المطارنة، أن عدداً كبيراً من النواب المسيحيين الذي يزورون الراعي اليوم كفريق "14 آذار" كان يجب أن يكونوا في منازلهم حاملين صفة "النواب السابقون" لو لم يتصدّوا لإقتراح قانون الإنتخاب الذي يعطي المسيحيين المناصفة الحقيقية، قانون اللقاء الأرثوذكسي الذي وُلد في بكركي برعاية سيدها، وقتل في ساحة النجمة برصاصات نواب الرابع عشر من آذار، لأنه لا يؤمن وصول من لا يمثل المسيحيين ويتكل على أصوات محادل الآخرين، لدخول الندوة البرلمانية.

إذاً زيارة اليوم، لن تقدم ولن تؤخر رئاسياً، لن تخرق جدار أزمة الفراغ، ولن تحقق مكاسب يمكن أن يصرفها الزوار في الملعب السياسي الداخلي، فما الجدوى منها؟