لم يبحث أحد بشكل جدّي وفعلي، الطروحات التي أطلقها رئيس "تكتّل التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون منذ بضعة أيّام، إلى درجة أنّها خرجت من التداول الإعلامي سريعاً. وبدلاً من البقاء في موقع الدفاع الذي أراد "الجنرال" حصر خُصومه السياسيّين به، إرتأت قوى "14 آذار" عموماً و"مسيحيّي 14 آذار" خصوصاً الإنتقال إلى الهجوم، عبر تحميل النوّاب المُقاطعين لجلسات الإنتخاب مسؤولية إفشال محاولات إنهاء حال الشغور الرئاسي، بالتزامن مع إعادة تحريك قضيّة نصاب النصف زائد واحد من جديد. فهل من فرصة جدّية لانتخاب رئيس مع إنقضاء الذكرى السنوية الأولى للشغور في قصر بعبدا؟

الجواب السريع والبديهي والمباشر هو كلا، فكما أنّ طروحات العماد ميشال عون بشأن الإنتخاب المباشر للرئيس من الشعب، والإستفتاء الشعبي، والإستفتاء لتحديد أقوى مُرشّحين مسيحياً قبل الفصل بينهما لبنانياً، وإجراء إنتخابات نيابية مُبكرة، سبق أن طرحت على طاولة البحث في الماضي من دون أن تلقى أيّ آذان صاغية، فإنّ مسألة إنتخاب رئيس جديد بأغلبيّة النصف زائد واحد ليست بجديدة، بل سبق أن طُرحت إبّان التعثّر في إنتخاب خلف للرئيس الأسبق العماد إميل لحود في العام 2007. وللتذكير فإنّ هذا الطرح الإنتخابي لقي مُعارضة شرسة في حينه، تزامناً مع حملة إغتيال لعدد من نوّاب قوى "14 آذار"، الأمر الذي حال دون إعتماده كنصاب قانوني، علماً أنّ قوى "14 آذار" كانت تملك يومها أكثر من نصف عدد مجلس النواب، بعكس ما هو الوضع حالياً، حيث أنّ قُسماً كبيراً من النوّاب مُصنّف في خانة الوسطيّة، بغضّ النظر عن دقّة هذا الوصف. ويُمكن القول إنّ ما طرحه العماد عون أخيراً من "حلول"-بنظره، لم يتجاوز مرحلة تحريك المياه الراكدة في الملفّ الرئاسي، ليأتي طرح نواب "14 آذار" الذين توافدوا إلى الصرح البطريركي، بمثابة إلتفاف على طروحات عون، وإعادة تصويب لمشكلة الفراغ الرئاسي من وجهة نظر الفريق السياسي الذي يُمثّله هؤلاء النوّاب.

وفي الوقت الذي حاول نوّاب فريق "14 آذار" الإستحواذ على تغطية عباءة بكركي لطرحهم القديم-الجديد بإنتخاب رئيس وفق نصاب النصف زائد واحد، سارع البطريرك إلى منح مباركته لما يتمّ التوافق عليه مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي فقط. ولم يأت هذا الربط من جانب بكركي صدفة، حيث أنّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يُدرك تماماً أنّ برّي، وإضافة إلى موقعه الدُستوري الحاسم في مسألة إنعقاد مجلس النواب وتأمين شرعية أيّ جلسة، يُمثّل الخط السياسي المُقابل لخط قوى "14 آذار"، وموافقته على أيّ طرح من جانبهم تعني تلقائياً ذهاب الأمور نحو الحلحلة، والعكس صحيح أيضاً.

وعُلم أنّه على الرغم من أنّ برّي سبق أن أعلن في الماضي أنّ النصاب القانوني لجلسة إنتخاب الرئيس هو حضور ثلثيّ أعضاء مجلس النواب، فإنّ قوى "14 آذار" التي قرّرت التوجّه بطرحها القديم-الجديد إلى رئيس المجلس عبر وفد نيابي، تأمل أن لا يُسارع رئيس المجلس النيابي إلى إعلان رفضه لمسألة النصاب، وتُراهن بالحد الأقصى على إمكان التوصّل إلى تسوية وسطيّة بشأن هويّة الرئيس المقبل، على أن يتمّ تمريرها دستورياً عبر النوّاب الذين لا يُقاطعون جلسات الإنتخاب، ومن بينهم نوّاب "كتلة التنمية والتحرير" برئاسة برّي. وبذلك يُحافظ "تكتّل التغيير والإصلاح" على مُقاطعته، ولا يتمّ وضع "حزب الله" بموقع المُحرج إزاء حليفه، حيث يُبقي "الحزب" من جهته على مقاطعته لجلسات المجلس. وتأمل قوى "14 آذار" في الحد الأدنى، وفي حال فشل رهانها على تمرير نصاب النصف زائد واحد، بوضع كل من "تكتّل التغيير والإصلاح" و"حزب الله" بموقع المُعرقل الميداني لإنتخاب رئيس، عبر تسليط الضوء على مقاطعتهم المُستمرّة لعمليّة الإنتخاب، في ظلّ نيّة بتحريك حملة سياسية-إعلامية ضدّ المُعرقلين، مع محاولة الإستحواذ على أكبر غطاء سياسي وشعبي وإجتماعي وديني لهذه الحملة.

لكنّ مصادر سياسيّة مُطلعة لفتت إلى أنّ كل الطروحات التي رُفعت من قبل العماد عون ومن جانب نوّاب "14 آذار" في الأيّام الماضية، لا تعدو كونها طرُوحات "دُونكيشوتيّة" مُتبادلة لن تُسفر عن أيّ نتيجة عملانيّة، سوى عن تسعير التراشق الإعلامي. وأشارت إلى أنّ الحلّ لمُعضلة الرئاسة يَستوجب توفّر حدّ أدنى من التوافق الداخلي-الداخلي، وحدّ أدنى من التفاهم الإقليمي-الإقليمي، وحدّ أدنى من الغطاء الدَولي. وطالما أنّ هذه العناصر والمُعطيات غير متوفّرة، لا بالجملة ولا بالمفرّق، فإنّ الفراغ الرئاسي سيطول ويطول ويطول...