لا يخجل بعض الساسة اللبنانيين بالتعبير صراحة عن عدم جدوى الرئاسة الاولى في لبنان بنظرهم، فلا ينفكون يرددون أن غياب الرئيس المسيحي تماما كوجوده، فهو غير مؤثر ولا صلاحيات له بالحل والربط بأمور الدولة... لعل هؤلاء يتناسون أنّهم وشركاؤهم بالحكم من رضخوا لهذه المعادلة طوال الاعوام الماضية وأمعنوا بالتعدي على حقوق المسيحيين سعيا وراء مكاسب حزبية أو فردية، ولعلهم أيضا غير مدركين أنّه وبالرغم من كل محاولاتهم المستمرة، لا يزال موقع الرئاسة الذي جردوه حتى من الرئيس قادر على تعطيل باقي مؤسسات الدولة التي باتت ترزح ومنذ حوالي العام تحت أثقال جمة تهدد بانهيارها من دون سابق انذار.

فلا الحكومة أظهرت أي مؤهلات تخولها استلام صلاحيات الرئيس المسيحي، ولا المجلس النيابي ورئيسه صانع المعجزات الدستورية قادر على البقاء والاستمرار. ولعله لولا القرار الدولي بدعم هذه الحكومة وفرض استمراريتها لكنا شهدنا على انهيارها بعد شهر او اثنين على تشكيلها، باعتبار أن الدفع الدولي الذي رافق الايام الاولى من انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان لملء الشغور تراجع تلقائيا بعدما أثبتت تركيبة مجلس الوزراء قدرتها على الحفاظ على حد أدنى من الاستقرار اللبناني الذي تتمسك به الدول الكبرى.

ولا يبدو وبعد مرور عام كامل على توقف نافورة القصر الرئاسي في بعبدا أن هناك من هو مستعجل لاعادة تشغيلها الا بعض المرشحين الرئاسيين الذين أعادوا أخيرا ضبط ساعاتهم نظرا الى ان تحقيق الحلم الرئاسي قد يطول... البعض يتوقع أن يطول كثيرا، وهو ما تعبّر عنه مصادر في قوى 8 آذار لافتة الى ان "لا شيء يمنع من أن يُتم الفراغ عهدا كاملا أي 5 سنوات اضافية نظرا لارتباط الأزمة بأزمات المنطقة المتفاقمة"، فيما يستغرب البعض الآخر "اصرار اللبنانيين على الاستمرار بتصوير أنفسهم كمحور العالم والأحداث"، ويرى أن "الأزمة الرئاسية داخلية بامتياز وأكثر من أي وقت مضى، ومرتبطة باصرار العماد ميشال عون على تولي الرئاسة ورفض التنحي لمرشح آخر، وعدم اكتراث باقي الفرقاء ببقاء الوضع على ما هو عليه، طالما مصالحهم الحزبية والفردية محققة وانشغالاتهم الخارجية لا تترك لهم الوقت للالتفات الى الملفات الداخلية".

وبين الرأيين، رأي ثالث يعطي للأزمة أبعادا وجودية، اذ تقول مصادر مطلعة أن البحث بالاسماء وحتى بصفات الرئيس بات من الترف السياسي، حيث أن السؤال الذي يجب أن يُطرح، هل سيكون رئيس مسيحي للبنان بعد اليوم؟ وهل يكون ميشال سليمان آخر الرؤساء اللبنانيين؟ وتضيف المصادر: "البعض قد لا يدرك حجم المخاطر التقسيمية التي تتهدد المنطقة خاصة بعد تهجير مسيحيي العراق وسوريا"، لافتة الى ان "مخاوف حقيقية من أن يكون المشروع الكبير للمنطقة يطال مسيحيي لبنان أيضا".

وحتى يتبلور المشهد العام في المنطقة، قد يعود قريبا الحديث الجدي عن مؤتمر تأسيسي أو هيئة تأسيسية تتولى الحكم باطار مرحلة انتقالية يتم خلالها الاتفاق على الأطر العامة لكيفية تعايش المكونات اللبنانية سويّة في السنوات المقبلة بعدما أثبتت كل الاتفاقات السابقة هشاشتها وعدم قدرتها على ضبط اللعبة اللبنانية التي لا تشبه أي لعبة أخرى.