أقلّ من عادي، اتفاق رؤساء أركان جيوش الدول الأعضاء في الجامعة العربية على بروتوكول أولي لإنشاء قوة عربية مشتركة. فقد صادف هذا الإعلان مع احتفال لبنان بمناسبة عيد المقاومة والتحرير. وهي مصادفة في غير صالح الإعلان، لأنّ تحرير معظم الأرض اللبنانية من الاحتلال الصهيوني في 25 أيار 2000، إنما تمّ بفعل المقاومة، وفي غفلة معظم الجيوش العربية نصف قرن ويزيد على احتلال فلسطين، ونحو ربع قرن على احتلال معظم الأرض اللبنانية.

ما هو مؤكد أنّ فلسطين غير مُدرَجة على أجندات الدول والإمارات والممالك العربية، وأنّ وظيفة القوة العربية المشتركة ليست تحرير فلسطين، ما يطرح تساؤلات كبيرة حول طبيعة المهام التي ستناط بهذه القوة، وما هي أهدافها ولأيّ مصلحة؟

الواقع العربي راهناً غير مؤهّل لمثل هذه الخطوة، إذ ليس هناك بيئة عربية صالحة لإنشاء قوة مشتركة بأهداف واضحة، وبعض الدول العربية، إنْ لم نقل معظمها، لا تتمتع بأهلية إدراك وتلمّس الأخطار والتحديات التي تواجه العالم العربي، وهي تتعامى عن الأخطار الحقيقية المتمثلة بالعدو الصهيوني وقوى الإرهاب والتطرف، وتضع في سلّم أولوياتها أولوية مواجهة أخطار وهمية مصطنعة!

في ظلّ هذا الواقع العربي، فإنّ القوة المشتركة المزمع إنشاؤها هي محلّ ارتياب وشبهة، لا سيما أنّ هناك دولاً عربية متصالحة مع العدو الصهيوني في السرّ والعلن، كما أنّ هناك دولاً عربية ترعى المجموعات الإرهابية المتطرفة بالقرار، وتدعمها بالمال والسلاح.

وليس خافياً أنّ هناك جيوشاً عربية تقدّم دعماً لوجستياً للقوى الإرهابية المتطرفة، وتقدّم لها الخبرات والمؤازرة في مواجهة الجيش السوري… وكذلك في مواجهة الجيش العراقي…

وواضح أنّ هناك جيوشاً عربية تشنّ حرباً معلنة على اليمن، وهي بذلك تتواجه مباشرة مع الجيش اليمني…

وليس سراً أنّ هناك جيوشاً عربية تشكل سياسات دولها حاضنة للمجموعات الإرهابية، التي توجه ضربات يومية للجيش المصري في سيناء وغير مكان…

أربعة جيوش عربية تخوض على أرض الواقع مواجهات مع جيوش عربية أخرى، مواجهات تتمّ بصورة غير مباشرة، وفي حال اليمن بصورة مباشرة، في حين أنّ بعض الممالك والإمارات لديها أشباه جيوش، فأيّ عبقرية يمكن أن تنتج «كائناً» اسمه «القوة العربية المشتركة»؟!

العارفون بطبيعة «الهرج» العربي، يرون في الإعلان عن تشكيل قوة مشتركة مجرّد فقاعة لا وزن لها ولا قيمة، وبأنها مجرّد غطاء لشيء ما تحيكه دوائر صنع القرار في الغرب، وحكماً في «إسرائيل»، فما هو الهدف إذن؟

لم يكن اجتماع «كامب ديفيد» بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والقادة الخليجيّين، محصوراً فقط بطمأنة دول الخليج حيال الخطوات الأميركية المتسارعة باتجاه توقيع التفاهم النووي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل خصّص الجانب الأكبر للحديث عن ضرورات القوة العربية المشتركة، وجوهر ما تمّ الاتفاق عليه، هو الدفع باتجاه تشكيل هذه القوة لتكون بمثابة الوعاء الذي يستوعب كميات هائلة من الطائرات والأسلحة الغربية المتطورة، وتحت عنوان هذه القوة يتمّ الحديث لاحقاً عن نشر الدرع الصاروخية الأميركية في الخليج وبعض الدول العربية، وبذلك تكون الولايات المتحدة الأميركية ضربت عصفورين بحجر واحد، الأول هو تكريس إيران «فزاعة» للدول الخليجية، وسيلة لاستنزاف مالية هذه الدول، والثاني تحقيق نتائج اقتصادية من مبيعات الأسلحة المتطورة للقوة العربية المشتركة…

والأمر لا يقتصر على أهداف اقتصادية خالصة تتحقق من وراء مبيعات الأسلحة، بل يتعدّاها إلى إبقاء المنطقة بؤرة توتر مشتعلة لسنوات مقبلة، بما يسهّل ترجمة مخطط تقسيم قسمة «سايكس ـ بيكو» وإحكام السيطرة الاستعمارية الكاملة على موارد المنطقة وثرواتها، تحقيقاً لمصلحة مشتركة واحدة غربية ـ «إسرائيلية».

الجيوش العربية التي يُعتدّ بها ـ الجيش السوري والجيش العراقي والجيش المصري ـ تخوض مواجهات ضدّ الإرهاب والتطرف، والجيش اليمني يقاتل الإرهابيين والذين يهاجمون اليمن في آن، أما جيوش الخليج فلا تشكل إضافة بشيء، و»درع الجزيرة» لم يواجه امتحانات صعبة وتحدّيات خطيرة، ففي حالة البحرين هناك حراك سلمي، القائمون به لا يحملون السلاح، بل يتسلّحون بالكلمة والموقف.

في الخلاصة، إنّ إنشاء قوة عربية مشتركة من الجيوش العربية، خطوة جائزة عندما يكون هناك عمل عربي مشترك وموحّد، وأهداف ومصالح مشتركة، لكن في الحال العربية الراهنة فإنّ تشكيل القوة المشتركة خطوة ناقصة ومتهوّرة ومشكوك فيها، خصوصاً أنّ الواقع العربي ينوء تحت وطأة الانقسامات والخصومات والعداوات. وبالتالي فإنّ المستفيد من الأوضاع العربية المتوترة والمتصدّعة هم قوى غربية وتركيا و»إسرائيل». ونرى كيف تحاول «إسرائيل» إقامة حزام أمني لها في جنوب سورية، وكذلك المحاولات التركية في شمال سورية، ما يجعل من القوة العربية المشتركة المزمع تشكيلها مجرّد حالة مصطنعة لا حول لها ولا قوة، وبلا تأثير في مسار التطورات، وبلا قدرة على مواجهة المشاريع الغربية الاستعمارية والمطامع الصهيونية العثمانية.

إن القوة العربية المطلوبة هي تلك التي تتشكل في مواجهة الإرهاب والتطرف والدول الداعمة للإرهاب.