يرى الرئيس سعد الحريري أنّ مسؤولية الدفاع عن لبنان ليست من مهمّات حزب الله وهذا صحيح، فالحريري يريد التذكير بأنّ هناك مؤسسات في هذه الدولة وبأنّ هناك جيشاً قادراً على تحمّل المسؤولية.

كلام الحريري جاء في معرض ردّه على كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه المخصّص لعيد المقاومة والتحرير، وهو العيد الذي يجمع الحريري ومعظم الأفرقاء اللبنانيين عليه مع نصرالله وحزب الله، بغضّ النظر عن غياب الإجماع على دور المقاومة، مقابل الإجماع النظري على العداء لـ«إسرائيل» وعلى تقدير تضحيات المقاومة وإنجازاتها بعد التحرير.

أما اليوم، وبالرغم من الإجماع المعلن على خطر الإرهاب التكفيري واستهدافه للبنان بكلّ مكوناته، فإنّ الإجماع ليس متوفراً على دور حزب الله في المواجهة أمام عدو لا يقلّ خطورة عن «إسرائيل» هو الإرهاب التكفيري المتمثل بـ«جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» الموجودين داخل الأراضي اللبنانية في جرود عرسال وفي عرسال البلد. وتكمن المشكلة الأبرز في أنّ فرضية الإجماع حول ضرورة نقاش هذا الأمر داخل مؤسسات الدولة كمجلس الوزراء، غير مطروحة، وذلك بغضّ النظر عن اعتبار فريق من اللبنانيين أنّ حزب الله استجلب الإرهاب، وذلك من باب التسليم جدلاً، مع العلم بأنه لا يمكن التوقف عند هذا الاعتبار طالما أنّ الواقعة قد وقعت وأصبح الوضع يستوجب التصرف، وقد أكد وزير داخلية لبنان «المستقبلي» نهاد المشنوق أنّ عرسال محتلة.

يقول الرئيس الحريري إنّ الدفاع عن الأرض والسيادة والكرامة ليس مسؤولية حزب الله لا في عرسال ولا في جرودها ولا في أي مكان آخر، وإنّ موقفه من «داعش» وقوى الضلال والإرهاب لا تحتاج إلى شهادة حسن سلوك من أحد. وفي المقابل، يقول السيد نصرالله لفريق الحريري: إذا انتصر النظام في سورية، فنحن سنشكل ضمانات لهم في لبنان لكن لو انتصر «داعش» و«النصرة» فهل تشكلون ضمانة لأنفسكم قبل أن تكونوا ضمانة للبنانيين؟

والسؤال: من أين يأتي الحريري بفرضية وهمية قوامها أنّ المعركة في عرسال هي معركة حزب الله وأنه يريد جرّ الجيش ولبنان إليها، فيما يؤكد حزب الله أنّها معركة لبنان، لأنها معركة الدفاع عنه وعن شعبه.

إنّ هجوم الحريري على السيد نصرالله وتركيزه على أنّ واجب التحرير ليس واجب حزب الله، يفترض أنّ نية حزب الله هي القتال ضدّ التكفيريين في عرسال بديلاً عن الجيش اللبناني، بينما أمامنا دعوة من حزب الله للدولة للقتال في عرسال من باب المسؤولية، وبالتالي فإنّ اعتبار الحريري عرسال خطاً أحمراً، لأسباب يعتبرها فئوية مذهبية تصبح دعوة إلى رسم خط أحمر في وجه الجيش اللبناني وليس في وجه حزب الله وتعني عملياً دعوة إلى إخلاء الساحة للتكفيريين في تلك المنطقة من دون تحرك سريع يشمل إعطاء الجيش الضوء الأخضر للشروع في عملية واضحة الأهداف لتحرير عرسال التي مرّ على وجودها تحت هذا الوضع أكثر من تسعة أشهر. فهل يريد الحريري إخلاء الساحة للتنظيمات الإرهابية فعلاً؟ لماذا ربط هذا الحرص من الحريري على عرسال وأهلها بالتهجم على السيد نصرالله، فهل لدى حزب الله ما يشكل خطراً على عرسال وهل دعا السيد نصرالله إلى ما يهدّد بالفتنة؟

ما يثير الاستغراب أنّ حرص الحريري على استقرار لبنان وأمنه كان يجب أن يدفعه إلى توجيه التحية إلى السيد نصر الله وإعلان الاستعداد للتعاون لإنهاء ملف عرسال بموقف حكومي موحّد يضع بين يدي الجيش الوطني ما يلزم من قرار وإمكانات، عوضاً عن الانتقاد من دون حلول يحتاجها أهل عرسال، إلا إذا كان المقصود رفض تولي الجيش مهمة أمن عرسال وترك الورم يكبر هناك وعناصر «النصرة» يحتمون بها، في وقت ينشغل اللبنانيون بمعادلة الإجماع على أحقية ومسؤولية الدفاع عن لبنان.

يوحي كلام الحريري غير المتضمّن حلولاً ومواقف مترجمة بأنه يريد أن تتحكم «النصرة» بعرسال، بعد أن كانت تلك المنطقة ورقة قوة يتحكم بها تيار المستقبل، وفقاً لما يجري خارج البلاد من ناحية، ومن ناحية أخرى يوحي الحريري بأنّ القلق ليس موجوداً وبأنّ كلّ شيء مسيطر عليه في تلك المنطقة من دون الحاجة إلى اللجوء إلى أي عمل عسكري، وخصوصاً أنّ هناك من يزايد على الحريري في الدعوة إلى ترك «النصرة» وغيرها من دون التصادم معها، وهو النائب وليد جنبلاط، لاعتبارات نافرة قدم فيها الجبهة يوماً على أنها معتدلة.

يعرف الحريري أنّ معركة عرسال مقبلة لا محالة، ويعرف أيضاً أنّ البديل المفترض تقديمه إلى حزب الله واللبنانيين غير متوفر حالياً لديه، لأسباب إقليمية. وإذا كان الحريري مطمئناً إلى عدم وجود نوايا لدى «النصرة» بالتوغل أبعد من عرسال وإيذاء أهلها، وفق معلوماته وعلاقاته الإقليمية، فهذا أمر جيد، لكنه يوجب عليه مصارحة اللبنانيين وعدم السماح بتجيير عرسال فندقاً لوجيستياً للإرهابيين.