مجدداً لم يحسن سعد الحريري قراءة الخطاب الذي اطلقه الأمين العام لحزب الله في ذكرى التحرير وما جاء في سطوره من تحذيرات من مخاطر بقاء التكفيريين في عرسال كما تقول اوساط في 8 آذار والذي وضع فيه السيد النقاط على الحروف مبرراً اهمية الحسم السريع لإنهاء الحالات التكفيرية على كل حدود السلسلة الشرقية، فما ان انهى السيد خطابه حتى تطايرت تصريحات المستقبل في كل الاتجاهات تعقيباً على ما ورد في خطاب التحرير، فقالها الحريري او كاد يقولها بان عرسال خطاً أحمر ممنوع الاقتراب منها او الدخول اليها لطرد الارهابيين، ليعود وزير الداخلية الذي لطالما نأى بنفسه عن السجالات ليحسم وقوفه الى جانب المستقبل بان تحرير عرسال يعني تدميرها. هذه التصريحات لا مكان لها كما تقول الاوساط في التفسيرات بعد ان جلس المستقبل على طاولة حزب الله بذريعة درء الارهاب وابعاد خطره عن لبنان، فلا يمكن فهم المغامرة التي يقودها تيار المستقبل بابقاء الوضع على حاله وترك المسلحين يسرحون ويمرحون ويمسكون ورقة العسكريين المحتجزين لديهم بعد ان قرر سعد الحريري سلك خط الاعتدال المفترض وحذر البيئة السنية من مخاطر تحويلها الى بيئة حاضنة للارهاب، فكيف يسمح المستقبل ببقاء عرسال خارج السيادة اللبنانية والحدود سائبة بيد التكفيريين؟ تساؤلات طرحت في اعقاب ردود الفعل على خطاب الأمين العام لحزب الله بعدما تجاوزت مواقف المستقبل وزعيمه الخطوط الحمراء المرسومة بين الحزب والمستقبل وعاد التحريض والتصعيد الى سابق عهده في المرحلة السابقة. والسؤال ايضاً ما هي المحفزات التي جعلت الحريري يلجم اندفاعاته في المعركة على الارهاب بعدما كان اعطى الضوء الاخضر لإنهاء حالات مماثلة في عبرا وطرابلس وقبلها في عرسال؟ تقول الاوساط ان الحريري يستعمل «لعبة شد الحبال وارخائها» في الموضوع الأمني، فعندما اشتدت الحال وتزايدت المخاطر الارهابية في عبرا بعد هجوم الارهابيين على الجيش فلتت ألأمور من تيار المستقبل وهذا ما تكرر في غزوة عرسال ومعركة طرابلس بعدما دفعت المؤسسة العسكرية الثمن والبيئة السنية بسبب تلكؤ المستقبل وعدم نضوج القرار السياسي، وهذا ما يحذر منه نصرالله اليوم في خطابه عندما اشار الى خطر التكفيريين معتبراً ان المستقبل سيكون مرة جديدة في المواجهة وبانه اول من سيدفع الثمن بين اللبنانيين.

وعلى ما يبدو فان رئيس تيار المستقبل لا ينظر الى ملف الارهاب إلا من زاوية صراعه مع الفريق الآخر بمواجهة المشروع الإيراني فانتصار حزب الله في القلمون على الارهابيين وتحرير مناطق لبنانية من وجهة نظر المستقبل لا تعني تخفيف مخاطر الارهاب بل تقاس بانه انتصار لمحور المقاومة والنظام السوري طالما ان جزءاً اساسياً من المستقبل و14 آذار يتعاطى مع الارهابيين على انهم ثوار ومن المعارضة السورية.

وهذه النظرة لها ارتداداتها وانعكاساتها على الداخل، فالمستقبل صار المعرقل الأول لكل شيء، فمن وجهة نظره ممنوع الدخول الى عرسال تحت شعار الفتنة المذهبية وممنوع توريط الجيش في المعركة وكأن الارهابيين يحتفظون بالعسكريين المخطوفين من آب الماضي لتكريمهم، والمستقبل ايضاً هو المعرقل الاساسي للملف الرئاسي وللتعيينات الأمنية. فالمستقبل يفعل الشيئ ونقيضه معاً، تؤكد الاوساط، بداية كان الانفتاح على عون وطي صفحة الخلاف ثم الانقلاب عليه وعرقلة وصوله الى بعبدا، وكان شبه التفاهم على قيادة الجيش قبل ان يطرح المستقبل معادلة إما الرئاسة او قيادة الجيش، وبداية عاد المستقبل بعد غزوة عرسال واحتلالها من النصرة وفرض قوانينها وشريعتها على العرساليين الى الجلوس على طاولة حزب الله ولكن بعد تحرير القلمون وانتصار حزب الله بات الدخول الى عرسال خطاً احمر لا يجوز تجاوزه او توريط الجيش به وكأن جنود المؤسسة العسكرية ليسوا في قبضة الارهابيين منذ عام وكأن دوريات الجيش لا تتعرض لكمائن ولا يسقط له شهداء في المعركة.

بخلاصة القول فان المستقبل دخل في مرحلة إفلاس سياسي، فهو يخشى ان تنظيف عرسال من التكفيريين سوف يرتد بالسياسة عليه وسيكون مكسباً لأعدائه في الداخل، صحيح ان زعيم المستقبل استطاع بعد معركة عرسال الاولى ان يلجم بعض ابواق المستقبل لبعض الوقت بعدما قرر الجلوس على الطاولة لوضع خطة عمل تواكب المرحلة الخطيرة بعد دخول الارهاب الى لبنان مع حزب الله وبعد ان خاف من تحول البيئة السنية الى حاضنة للارهاب والتكفيريين لكن هذا القرار الذي اتخذه سعد الحريري بات تقول المصادر، على المحك بعد التصعيد المستقبلي الخطير على خلفية معركة القلمون التي ادت الى دحر الارهابيين وانهزامهم وانسحابهم الى جرود عرسال حيث بات وجودهم اذا لم تستكمل المعركة العسكرية ضدهم في مرحلة انكسارهم وقبل ان يتمكنوا من تعزيز وجودهم وتحصيناتهم يتهدد البلدة التي تضم 100 ألف مقيم بين ابناء البلدة والنازحين السوريين في مخيماتها. بقناعة 8 آذار على المستقبل اجراء مراجعة شاملة لمواقفه وتغيير نظرته الى الارهابيين على انهم ليسوا ثواراً او جزء من المعارضة السورية، وعدم اعتبار الانتصار على الارهاب بانه لمصلحة اي فريق انما لمصلحة كل لبنان.